* وأنعم صباحا أيها الجبر * لقهره الناس على ما يريده أو لاصلاح أمورهم، والاجبار في الأصل حمل الغير على أن يجبر الآخر لكن تعورف في الاكراه المجرد فقيل أجبرته على كذا كقولك أكرهته، وسمى الذين يدعون أن الله تعالى يكره العباد على المعاصي في تعارف المتكلمين مجبرة وفى قول المتقدمين جبرية وجبرية. والجبار في صفة الانسان يقال لمن يجبر نقيصته بادعاء منزلة من التعالي لا يستحقها وهذا لا يقال إلا على طريق الذم كقوله عز وجل: (وخاب كل جبار عنيد) وقوله تعالى: (ولم يجعلني جبارا شقيا) وقوله عز وجل: (إن فيها قوما جبارين) وقوله عز وجل: (كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار) أي متعال عن قبول الحق والايمان له. ويقال للقاهر غيره جبار نحو:
(وما أنت عليهم بجبار) ولتصور القهر بالعلو على الاقران قيل نخلة جبارة وناقة جبارة.
وما روى في الخبر: ضرس الكافر في النار مثل أحد وكثافة جلده أربعون ذراعا بذراع الجبار، فقد قال ابن قتيبة هو الذراع المنسوب إلى الملك الذي يقال له ذراع الشاة. فأما في وصفه تعالى نحو: (العزيز الجبار المتكبر) فقد قيل سمى بذلك من قولهم جبرت العقير لأنه هو الذي يجبر الناس بفائض نعمه وقيل لأنه يجبر الناس أي يقهرهم على ما يريده ودفع بعض أهل اللغة ذلك من حيث اللفظ فقال لا يقال من أفعلت فعال فجبار لا يبنى من أجبرت، فأجيب عنه بأن ذلك من لفظ جبر المروى في قوله لا جبر ولا تفويض، لا من لفظ الاجبار. وأنكر جماعة من المعتزلة ذلك من حيث المعنى فقالوا يتعالى الله عن ذلك، وليس ذلك بمنكر فإن الله تعالى قد أجبر الناس على أشياء لا انفكاك لهم منها حسبما تقتضيه الحكمة الإلهية لا على ما تتوهمه الغواة الجهلة وذلك كإكراههم على المرض والموت والبعث، وسخر كلا منهم لصناعة يتعاطاها وطريقة من الأخلاق والأعمال يتحراها وجعله مجبرا في صورة مخير فإما راض بصنعته لا يريد عنها حولا، وإما كاره لها يكابدها مع كراهيته لها كأنه لا يجد عنها بدلا ولذلك قال تعالى: (فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون) وقال عز وجل: (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا) وعلى هذا الحد وصف بالقاهر وهو لا يقهر إلا على ما تقتضي الحكمة أن يقهر عليه. وقد روى عن أمير المؤمنين رضي الله عنه : يا بارئ المسموكات وجبار القلوب على فطرتها شقيها وسعيدها. فإنه جبر القلوب على فطرتها من المعرفة فذكر لبعض ما دخل في عموم ما تقدم. وجبروت فعلوت من التجبر، واستجبرت حاله تعاهدت أن أجبرها، وأصابته مصيبة لا يجتبرها أي لا يتحرى لجبرها من