مفردات غريب القرآن - الراغب الأصفهانى - الصفحة ٤٣٩
مع مشقة تناله في تعاطيه، وصارت الكلفة في التعارف اسما للمشقة، والتكلف اسم لما يفعل بمشقة أو تصنع أو تشبع، ولذلك صار التكلف على ضربين، محمود: وهو ما يتحراه الانسان ليتوصل به إلى أن يصير الفعل الذي يتعاطاه سهلا عليه ويصير كلفا به ومحبا له، وبهذا النظر يستعمل التكليف في تكلف العبادات.
والثاني: مذموم وهو ما يتحراه الانسان مراءاة وإياه عنى بقوله تعالى: (قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " أنا وأتقياء أمتي برآء من التكلف " وقوله: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) أي ما يعدونه مشقة فهو سعة في المآل نحو قوله: (وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم) وقوله: (فعسى أن تكرهوا شيئا) الآية.
كلم: الكلم التأثير المدرك بإحدى الحاستين، فالكلام مدرك بحاسة السمع، والكلم بحاسة البصر، وكلمته جرحته جراحة بان تأثيرها ولاجتماعهما في ذلك قال الشاعر:
* والكلم الأصيل كأرعب الكلم * الكلم الأول جمع كلمة، والثاني جراحات والأرعب الأوسع، وقال آخر:
* وجرح اللسان كجرح اليد * فالكلام يقع على الألفاظ المنظومة وعلى المعاني التي تحتها مجموعة، وعند النحويين يقع على الجزء منه اسما كان أو فعلا أو أداة. وعند كثير من المتكلمين لا يقع إلا على الجملة المركبة المفيدة وهو أخص من القول فإن القول يقع عندهم على المفردات، والكلمة تقع عندهم على كل واحد من الأنواع الثلاثة، وقد قيل بخلاف ذلك، قال تعالى: (كبرت كلمة تخرج من أفواههم) وقوله: (فتلقى آدم من ربه كلمات) قيل هي قوله: (ربنا ظلمنا أنفسنا) وقال الحسن:
هي قوله: " ألم تخلقني بيدك؟ ألم تسكني جنتك؟ ألم تسجد لي ملائكتك؟ ألم تسبق رحمتك غضبك؟ أرأيت إن تبت أكنت معيدي إلى الجنة؟ قال: نعم " وقيل هي الأمانة المعروضة على السماوات والأرض والجبال في قوله: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال) الآية، وقوله: (وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن) قيل هي الأشياء التي امتحن الله إبراهيم بها من ذبح ولده والختان وغيرهما. وقوله لزكريا: (إن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله) قيل هي كلمة التوحيد وقيل كتاب الله وقيل يعنى به عيسى، وتسمية عيسى بكلمة في هذه الآية، وفى قوله (وكلمته ألقاها إلى مريم) لكونه موجدا بكن المذكور في قوله (إن مثل عيسى) الآية وقيل لاهتداء الناس به كاهتدائهم بكلام الله تعالى، وقيل سمى به لما خصه الله تعالى به في صغره حيث قال وهو في مهده (إني عبد الله
(٤٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 434 435 436 437 438 439 440 441 442 443 444 ... » »»
الفهرست