مفردات غريب القرآن - الراغب الأصفهانى - الصفحة ٦
ما في قوة البشر أن يدركه من الاحكام والحكم فيطلع من كتاب الله على ملكوت السماوات والأرض ويتحقق أن كلامه كما وصفه بقوله: (ما فرطنا في الكتاب من شئ) جعلنا الله ممن تولى هدايته حتى يبلغه هذه المنزلة ويخوله هذه المكرمة، فلن يهديه البشر من لم يهده الله كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء).
وذكرت أن أول ما يحتاج أن يشتغل به من علوم القرآن العلوم اللفظية. ومن العلوم اللفظية تحقيق الألفاظ المفردة، فتحصيل معاني مفردات ألفاظ القرآن في كونه من أوائل المعاون لمن يريد أن يدرك معانيه، كتحصيل اللبن في كونه من أول المعاون في بناء ما يريد أن يبنيه.
وليس ذلك نافعا في علم القرآن فقط بل هو نافع في كل علم من علوم الشرع، فألفاظ القرآن هي لب كلام العرب وزبدته، وواسطته وكرائمه، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء في أحكامهم وحكمهم، وإليها مفزع حذاق الشعراء والبلغاء في نظمهم ونثرهم. وما عداها وعدا الألفاظ المتفرعات عنها والمشتقات منها هو بالإضافة إليها كالقشور والنوى بالإضافة إلى أطايب الثمرة، وكالحثالة والتبن بالإضافة إلى لبوب الحنطة. وقد استخرت الله تعالى في إملاء كتاب مستوفى فيه مفردات ألفاظ القرآن على حروف التهجي، فنقدم ما أوله الألف ثم الباء على ترتيب حروف المعجم معتبرا فيه أوائل حروفه الأصلية دون الزوائد، والإشارة فيه إلى المناسبات التي بين الألفاظ المستعارات منها والمشتقات حسبما يحتمل التوسع في هذا الكتاب، وأحيل بالقوانين الدالة على تحقيق مناسبات الألفاظ على الرسالة التي عملتها مختصة بهذا الباب. ففي اعتماد ما حررته من هذا النحو استغناء في بابه من المثبطات عن المسارعة في سبيل الخيرات، وعن المسابقة إلى ما حثنا عليه بقوله تعالى:
(سابقوا إلي مغفرة من ربكم) سهل الله علينا الطريق إليها. وأتبع هذا الكتاب إن شاء الله تعالى ونسأ في الاجل، بكتاب ينبئ عن تحقيق الألفاظ المترادفة على المعنى الواحد وما بينها من الفروق الغامضة، فبذلك يعرف اختصاص كل خبر بلفظ من الألفاظ المترادفة دون غيره من أخواته، نحو ذكره القلب مرة والفؤاد مرة والصدر مرة. ونحو ذكره تعالى في عقب قصة:
(إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) وفى أخرى: (لقوم يتفكرون) وفى أخرى: (لقوم يعلمون) وفى أخرى: (لقوم يفقهون) وفى أخرى: (لأولي الابصار) وفى أخرى: (لذي حجر) وفى أخرى: (لأولي النهى) ونحو ذلك مما يعده من لا يحق الحق ويبطل الباطل أنه باب واحد، فيقدر أنه إذا فسر الحمد لله بقوله الشكر لله، ولا ريب فيه بلا شك فيه فقد فسر القرآن ووفاه التبيان، جعل الله لنا التوفيق رائدا والتقوى سائقا. ونفعنا بما أولانا وجعله لنا من معاون تحصيل الزاد المأمور به في قوله تعالى: (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى).
(٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 ... » »»
الفهرست