أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها - سنجزي الذين يصدفون - الآية إلى - بما كانوا يصدفون).
صدق: الصدق والكذب أصلهما في القول ماضيا كان أو مستقبلا وعدا كان أو غيره، ولا يكونان بالقصد الأول إلا في القول، ولا يكونان في القول إلا في الخبر دون غيره من أصناف الكلام، ولذلك قال: (ومن أصدق من الله قيلا - ومن أصدق من الله حديثا - إنه كان صادق الوعد) وقد يكونان بالعرض في غيره من أنواع الكلام كالاستفهام والامر والدعاء، وذلك نحو قول القائل أزيد في الدار؟
فإن في ضمنه إخبارا بكونه جاهلا بحال زيد، وكذا إذا قال وأسنى في ضمنه أنه محتاج إلى المواساة، وإذا قال لا تؤذ ففي ضمنه أنه يؤذيه والصدق مطابقة القول الضمير والمخبر عنه معا ومتى انخرم شرط من ذلك لم يكن صدقا تاما بل إما أن لا يوصف بالصدق وإما أن يوصف تارة بالصدق وتارة بالكذب على نظرين مختلفين كقول كافر إذا قال من غير اعتقاد:
محمد رسول الله، فإن هذا يصح أن يقال صدق لكون المخبر عنه كذلك، ويصح أن يقال كذب لمخالفة قوله ضميره، وبالوجه الثاني إكذاب الله تعالى المنافقين حيث قالوا:
(نشهد إنك لرسول الله) الآية، والصديق من كثر منه الصدق، وقيل بل يقال لمن لا يكذب قط، وقيل بل لمن لا يتأتى منه الكذب لتعوده الصدق، وقيل بل لمن صدق بقوله واعتقاده وحقق صدقه بفعله، قال:
(واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا) وقال (وأمه صديقة) وقال (من النبيين والصديقين والشهداء) فالصديقون هم قوم دوين الأنبياء في الفضيلة على ما بينت في الذريعة إلى مكارم الشريعة. وقد يستعمل الصدق والكذب في كل ما يحق ويحصل في الاعتقاد نحو صدق ظني وكذب، ويستعملان في أفعال الجوارح، فيقال صدق في القتال إذا وفى حقه وفعل ما يجب وكما يجب، وكذب في القتال إذا كان بخلاف ذلك، قال: (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) أي حققوا العهد بما أظهروه من أفعالهم، وقوله: (ليسأل الصادقين عن صدقهم) أي يسئل من صدق بلسانه عن صدق فعله تنبيها أنه لا يكفي الاعتراف بالحق دون تحريه بالفعل، وقوله تعالى (لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق) فهذا صدق بالفعل وهو التحقق أي حقق رؤيته، وعلى ذلك قوله: (والذي جاء بالصدق وصدق به) أي حقق ما أورده قولا بما تحراه فعلا ويعبر عن كل فعل فاضل ظاهرا وباطنا بالصدق فيضاف إليه ذلك الفعل الذي يوصف به نحو قوله: (في مقعد صدق عند مليك مقتدر) وعلى هذا (أن لهم قدم صدق عند ربهم)