مفردات غريب القرآن - الراغب الأصفهانى - الصفحة ٢٦٨
للحضور مفردا قال (عالم الغيب والشهادة) لكن الشهود بالحضور المجرد أولى والشهادة مع المشاهدة أولى، ويقال للمحضر مشهد وللمرأة التي يحضرها زوجها مشهد. وجمع مشهد مشاهد ومنه مشاهد الحج وهي مواطنه الشريفة التي يحضرها الملائكة والأبرار من الناس.
وقيل مشاهد الحج مواضع المناسك. قال (ليشهدوا منافع لهم - وليشهد عذابهما - ما شهدنا مهلك أهله) أي ما حضرنا (والذين لا يشهدون الزور) أي لا يحضرونه بنفوسهم ولا بهمهم وإرادتهم. والشهادة قول صادر عن علم حصل بمشاهدة بصيرة أو بصر.
وقوله (أشهدوا خلقهم) يعنى مشاهدة البصر ثم قال (ستكتب شهادتهم) تنبيها أن الشهادة تكون عن شهود وقوله (وأنتم تشهدون) أي تعلمون وقوله (ما أشهدتهم خلق السماوات) أي ما جعلتهم ممن اطلعوا ببصيرتهم على خلقها وقوله (عالم الغيب والشهادة) أي ما يغيب عن حواس الناس وبصائرهم وما يشهدونه بهما. وشهدت يقال على ضربين: أحدهما جار مجرى العلم وبلفظه تقام الشهادة ويقال أشهد بكذا ولا يرضى من الشاهد أن يقول أعلم بل يحتاج أن يقول أشهد. والثاني يجرى مجرى القسم فيقول أشهد بالله أن زيدا منطلق فيكون قسما، ومنهم من يقول إن قال أشهد ولم يقل بالله يكون قسما ويجرى علمت مجراه في القسم فيجاب بجواب القسم نحو قول الشاعر:
* ولقد علمت لتأتين منيتي * ويقال شاهد وشهيد وشهداء قال (ولا يأب الشهداء) قال (واستشهدوا شهيدين) ويقال شهدت كذا: أي حضرته وشهدت على كذا، قال (شهد عليهم سمعهم) وقد يعبر بالشهادة عن الحكم نحو (وشهد شاهد من أهلها) وعن الاقرار نحو (ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله) أن كان ذلك شهادة لنفسه. وقوله (وما شهدنا إلا بما علمنا) أي ما أخبرنا وقال تعالى:
(شاهدين على أنفسهم بالكفر) أي مقرين (لم شهدتم علينا) وقوله (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم) فشهادة الله تعالى بوحدانيته هي إيجاد ما يدل على وحدانيته في العالم، وفى نفوسنا كما قال الشاعر:
ففي كل شئ له آية * تدل على أنه واحد قال بعض الحكماء إن الله تعالى لما شهد لنفسه كان شهادته أن أنطق كل شئ كما نطق بالشهادة له، وشهادة الملائكة بذلك هو إظهارهم أفعالا يؤمرون بها وهي المدلول عليها بقوله (فالمدبرات أمرا) وشهادة أولى العلم اطلاعهم على تلك الحكم وإقرارهم بذلك وهذه الشهادة تختص بأهل العلم فأما الجهال فمبعدون منها ولذلك قال في الكفار (ما أشهدتهم خلق
(٢٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 ... » »»
الفهرست