* (كانوا يعملون (69) فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون (70) قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون) * * فيه قولان: أحدهما: أنه أسر إليه أنه أخوه. والآخر: أنه قال: أنا لك مكان أخيك الهالك. ذكره وهب وغيره. وقوله: * (فلا تبتئس بما كانوا يعملون) معناه: فلا تحزن بما عملوا مع أخيك، فإني لك بدل أخيك، فروي أنه قال له بنيامين: ومن يجد أخا مثلك أيها الملك؛ ولكنك لست من يعقوب؛ فحينئذ ذكر أنه أخوه حقيقة.
قوله تعالى: * (فلما جهزهم بجهازهم) قد ذكرنا. وقوله: * (وجعل السقاية) السقاية: هي الإناء الذي يشرب به. واختلفوا أنها من أيش كانت؟ قال ابن عباس: كانت من زبرجد. وقال مجاهد: كانت من فضة مرصعة بالجوهر، وقيل: كان من ذهب. وعن بعضهم: أنه كان (إناء) مستطيلا شبه المكوك وله رأسان وفي وسطه مقبض، فكان يكال من أحد الرأسين ويشرب من (الرأس) الآخر، وكان لا يكال إلا به لعزة الطعام، وكان يسمع لها صوت: قد كيل في كذا.
وقوله: * (في رحل أخيه) أي: في وعاء أخيه بين طعامه. وقوله: * (ثم أذن مؤذن) روي أنه تركهم حتى ذهبوا منزلا، وقيل: حتى أصحروا وخرجوا من العمارة، ثم بعث من خلفهم من استوقفهم وقال: * (أيتها العير إنكم لسارقون) والعير: هم أصحاب الحمير. وقيل: قد يذكر ويراد به الإبل. فإن قال قائل: كيف استجاز يوسف أن ينسبهم إلى السرقة ولم يسرقوا؟
الجواب عنه من وجوه: أحدها معناه: إنكم لسارقو يوسف من أبيه، وعملتم كما يعمل السراق. والثاني: أن الرجل قال من غير أمر يوسف، فإنه حين فقد الصاع ظن أنهم سرقوا. والثالث: أن هذه هفوة من يوسف عليه السلام. وقد قالوا: إنه عير ثلاث عيرات: الأولى: حين هم بامرأة العزيز إلى أن رأى البرهان، والثاني حين قال للساقي: اذكرني عند ربك، والثالث: هذا؛ وهو أنه نسب إخوته إلى السرقة.
والقول الأول أجود الأقاويل، ويقال: إنه كان واضع مع بنيامين، وقال ما قال بالمواضعة، والله أعلم.