تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٩ - الصفحة ٣٠٢
تقولون ما لا تفعلون) *) قال مقاتلان: قال المؤمنون قبل أن يؤمروا بالقتال: لو نعلم أحب الأعمال إلى الله سبحانه لعلمناه وبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا، فدلهم الله على أحب الأعمال اليه فقال: " * (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) *) فبين لهم فابتلوا يوم أحد بذلك، فولوا عن النبي صلى الله عليه وسلم مدبرين فأنزل الله سبحانه هذه الآية.
وقال: الكلبي: قال: المؤمنون: يا رسول الله لو نعلم أحب الأعمال لفعلنا ونزل " * (هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم) *) ثم أنقطع الكلام ولم يبين لهم شيئا فمكثوا بعد ذلك ما شاء الله أن يمكثوا وهم يقولون: ليتنا نعلم ما هي أما والله إذن لأشتريناها بالأموال والأنفس والأهلين، فدلهم الله سبحانه فقال: " * (تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله) *) الآية، فأبتلوا بذلك يوم أحد ففروا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صرع وشج في وجهه وكسرت رباعيته، فنزلت هذه الآية يعيرهم ترك الوفاء.
وقال محمد بن كعب: لما أخبر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بثواب شهداء بدر قالت الصحابة: لئن لقينا بعده قتالا لنفرغن فيه وسعنا ففروا يوم أحد فعيرهم الله بهذه الآية، وقال ابن عباس: كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون: وددنا لو أن الله دلنا على أحب الأعمال إليه فنعمل به، فأخبرهم الله تعالى أن أفضل الأعمال إيمان لا شك فيه والجهاد، فكره ذلك ناس منه وشق عليهم الجهاد وتباطؤوا عنه فأنزل الله سبحانه هذه الآية، وقال: قتادة والضحاك: نزلتا في شأن القتال، كان الرجل يقول: قتلت ولم يقاتل، وطعنت ولم يطعن، وضربت ولم يضرب، وصبرت ولم يصبر.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدثنا ابن مقلاب قال: حدثنا أبو الحرث أحمد بن سعيد بدمشق قال: حدثنا يعقوب بن محمد الزهري قال: أخبرنا حصين بن حذيف الصهري قال: حدثني عمي عن سعيد بن المسيب عن مهيب قال: كان رجل يوم بدر قد آذى المسلمين ونهاهم فقتله صهيب في القتال، فقال رجل: يا رسول الله قتلت فلانا ففرح بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمرو بن عبد الرحمن لصهيب: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنك قتلته فأن فلانا ينتحله، فقال صهيب: إنما قتلته لله تعالى ولرسوله، فقال عمرو بن عبد الرحمن: يا رسول الله قتله صهيب، قال: كذلك يا أبا يحيى؟ قال: نعم يا رسول الله، فأنزل الله سبحانه " * (يا أيها الذين آمنوا لم تقولوا ما لا تفعلون) *) والآية الأخرى.
وقال الحسن: هؤلاء المنافقون ندبهم الله سبحانه ونسبهم إلى الإقرار الذي أعلنوه للمسلمين فأنزل الله فقال: " * (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون) *) كذبا وزورا، وقال: ابن زيد: نزلت في المنافقين كانوا يعدون المؤمنين النصر وهم كاذبون، وقال: مجاهد: نزلت في نفر من الأنصار منهم عبد الله بن رواحة قال: في مجلس لهم: لو علمنا أي الأعمال أحب إلى الله لعملنا بها حتى نموت، فأنزل الله سبحانه هذه السورة فقال عبد الله بن رواحة: لا أبرح
(٣٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 297 298 299 300 301 302 303 304 305 306 307 ... » »»