تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٨ - الصفحة ٢٨٩
قال الملأ من قريش وأبو جهل: قد التبس علينا أمر محمد، فلو إلتمستم رجلا عالما بالشعر والكهانة والسحر، فأتاه فكلمه ثم أتانا ببيان من أمره، فقال عتبة بن ربيع: والله لقد سمعت بالشعر والكهانة والسحر، وعلمت من ذلك علما، وما يخفى علي إن كان ذلك. فأتاه، فلما خرج إليه، قال: يامحمد، أنت خير أم هاشم؟، أنت خير أم عبد المطلب؟، أنت خير أم عبد الله؟، فبم تشتم آلهتنا، ونضلك إيانا، فإن تتمنى الرئاسة عقدنا لك ألويتنا، فكنت رئيسنا ما بقيت، وإن كانت بك الباءة زوجناك عشر نسوة تختار من أي أبيات قريش، وإن كان بك المال جمعنا لك ما تستغني أنت وعقبك من بعدك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت لا يتكلم، فلما فرغ، قرأ رسول الله (عليه السلام): " * (بسم الله الرحمان الرحيم. حم. تنزيل من الرحمن الرحيم. كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا) *)... إلى قوله: " * (فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) *) فأمسك عتبة على فيه وناشده بالرحم، ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش، فاحتبس عنهم عتبة، فقال أبو جهل: يا معشر قريش، والله ما نرى عتبة إلا قد (صبأ) إلى محمد وأعجبه طعامه، وما ذاك إلا من حاجة أصابته، فانطلقوا بنا إليه، فانطلقوا إليه.
فأتاه أبو جهل فقال: والله يا عتبة، ما حبسك عنا إلا إنك صبوت إلى محمد، وأعجبك طعامه، فإن كانت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد. فغضب عتبة وأقسم ألا يكلم محمدا أبدا، وقال: والله لقد علمتم إني من أكثر قريش مالا، ولكني أتيته وقصصت عليه القصة، فأجابني بشيء، والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر. " * (بسم الله الرحمن الرحيم. حم. تنزيل من الرحمان الرحيم. كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا) *)... إلى قوله: " * (فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) *) فأمسكت بفيه وناشدته بالرحم أن يكف وقد علمتم إن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب، فخفت أن ينزل بكم العذاب.
" * (فأما عاد) *) يعني قوم هود. " * (فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة) *) وذلك إنهم كانوا ذوي أجسام طوال وخلق عظيم. " * (أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا) *) أي باردة شديدة الصوت والهبوب وأصله من الصرير، فضوعف كما يقال: نهنهت وكفكفت، وقد قيل: إن النهر الذي يسمى صرصرا إنما سمي بذلك لصوت الماء الجاري فيه.
" * (في أيام نحسات) *) متتابعات شديدات نكدات مشؤومات عليهم ليس فيها من الخير شيء، وقرأ أبو جعفر وابن عامر وأهل الكوفة " * (نحسات) *) بكسر الحاء، غيرهم بجزمه.
أخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه، حدثنا مخلد بن جعفر، حدثنا الحسن بن علي، حدثنا إسماعيل بن عيسى، حدثنا إسحاق بن بشر، حدثنا مقاتل عن الضحاك في قوله تعالى: " * (فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا) *)، قال: أمسك الله تعالى عنهم المطر ثلاث سنين ودامت الرياح عليهم من
(٢٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 284 285 286 287 288 289 290 291 292 293 294 ... » »»