تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٥ - الصفحة ٣٥٤
" * (فوربك لنسأ لنهم أجمعين) *) يوم القيامة " * (عما كانوا يعملون) *) في الدنيا.
وروى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية قال: (عن لا إله إلا الله).
قال عبد الله: والذي لا إله غيره مامنكم من أحد إلا سيخلو الله تعالى به يوم القيامة، (كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر) فيقول: يا بن آدم ماذا غرك مني، يا بن آدم ما عملت فيما علمت، يا بن آدم ماذا أجبت المرسلين.
واعترضت الملحدة بأبصار كليلة وأفهام عليلة على هذه الآية على قوله: " * (فيومئذ لا يسأل عن ذ نبه إنس ولا جان) *) وحكموا عليهما بالتناقض.
والجواب عنه: ما روي عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: " * (لنسأ لنهم أجمعين عما كانوا يعملون) *) وقوله: " * (فيومئذ لا يسأل عن ذ نبه إنس ولا جان) *). قال: لانسألهم هل عملتم كذا وكذا، لأنه أعلم بذلك منهم، ولكن يقول لهم: لم عملتم كذا وكذا؟
واعتمد قطرب هذا القول، وقال: السؤال على ضربين: سؤال استعلام واستخبار، وسؤال توبيخ وتقرير. فقوله: " * (فيومئذ لا يسأل عن ذنبه) *) يعني استعلاما واستخبارا، لأنه كان عالما بهم قبل أن يخلقهم. وقوله: " * (لنسألنهم أجمعين) *) يعني تقريعا وتقريرا ليريهم القدرة في تعذيبنا إياهم.
وقال عكرمة: سألت مولاي عبد الله بن عباس عن الآيتين، فقال: إن يوم القيامة يوم طويل وفيه مواقف، يسألون في بعض المواقف ولا يسألون في بعضها. ونظيره قوله: " * (هذا يوم لا ينطقون) *) وقال في آية أخرى: " * (ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) *).
وقال بعضهم: " * (فيومئذ لا يسأل) *) إذا كان المذنب مكرها مضطرا، و " * (لنسألنهم) *) إذا كانوا مختارين، وقيل: لا يسأل إذا كان الذنب في حال الصبى أو الجنون أو النوم، بيانه قوله صلى الله عليه وسلم (رفع القلم عن ثلاث) وقولهم: لنسألنهم، إذا كان عملهم خارجا من هذه الأحوال، وقيل: لا يسأل إذا كان الذنب في حال الكفر
(٣٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 347 348 349 350 351 352 353 354 355 356 357 » »»