وقال قتادة: وذكر لنا أن الطلقاء (إنجفلوا) يومئذ بالناس وسأل رجل البراء بن عازب: أفررتم يوم حنين؟ فقال: كانت هوازن رماة وإنا لما حملنا عليهم وانكشفوا وأقبلنا على الغنائم، فاستقبلوا بالسهام فانكشف المسلمون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الكلبي: كان حول رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ثلاثمائة من المسلمين وانهزم سائر الناس عنهم.
وقال الآخرون: لم يبق يومئذ مع النبي صلى الله عليه وسلم غير العباس بن عبد المطلب وعلي وأيمن بن أم أيمن، وقتل يومئذ بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وطفق رسول الله يركض بغلته نحو الكفار لا يألوا، وكانت بغلة شهباء أهداها له فروة الجدامي.
أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا العمري، حدثنا أحمد بن محمد، حدثنا الحمامي، حدثنا شريك عن أبي إسحاق، قيل للبراء: كان النبي صلى الله عليه وسلم فيمن ولى دبره يوم حنين قال: والذي لا إله إلا هو ماولى رسول الله دبره قط، لقد رأيناه وأبو سفيان بن الحرث آخذ بالركاب والعباس آخذ لجام الدابة، وهو يقول: أنا النبي لا كذب أنا بن عبد المطلب، قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس: ناد يا معشر المهاجرين ويا معشر الأنصار وكان العباس رجلا صويتا.
ويروى من شدة صوت العباس أنه أغير يوما على مكة فنادى: واصباحاه فأسقطت كل حامل سمعت صوته جنينها.
فجعل ينادي: يا عباد الله، يا أصحاب الشجرة، يا أصحاب سورة البقرة، وعطف المسلمون حين سمعوا صوته عطفة البقر على أولادها فقالوا: يا لبيك يا لبيك يا لبيك وجاؤوا عنقا واحدا فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عصابة من الأنصار فقال: هل معكم غيركم؟ فقالوا: يا نبي الله لو عمدت إلى برك العماد من ذي يمن لكنا معك، ثم أقبل المشركون فالتقوا هم والمسلمون، وتنادى الأنصار: يا معشر الأنصار أم قصرت الدعوة على بني الحرث والخزرج، فتنادوا فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول إلى قتالهم فقال هذا حين حمي الوطيس، فأخذ بيده كفا من (الحب) فرماهم وقال: شاهت الوجوه، ثم قال: انهزموا ورب الكعبة، انهزموا ورب الكعبة.
قال: فوالله ما زال أمرهم مدبرا وجدهم كليلا حتى هزمهم الله تعالى.
قال يعلى بن عطاء: فحدثني أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا: ما بقي منا أحد يومئذ إلا وامتلأت عيناه من ذلك التراب، قال يزيد بن عامر وكان في المشركين يومئذ: فانصرفنا ما بقي منا أحد، وكأن أعيننا عميت فأنجز الله وعده وأنزل نصره وجنده فقهر المشركين ونصر المسلمين، وقال سعيد بن جبير: أمد الله (المسلمين) بخمسة آلاف من الملائكة مسومين، وقال الحسن: كانوا ثمانية آلاف من الملائكة.