تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٥ - الصفحة ١٨
إنكم تذكرون مساوئنا ولا تذكرون محاسننا، قال له علي: ألكم محاسن؟ قال: نعم، إنا لنعمر المسجد ونحجب الكعبة ونسقي الحاج ونفك: العاني، فأنزل الله تعالى رادا على العباس " * (ما كان للمشركين) *) يقول: ما ينبغي للمشركين أن يعمروا، قرأت العامة بفتح الياء وضم الميم من عمر يعمر، وقرأ ابن السميقع يعمر بضم الياء وكسر الميم أي يعينوا على العمارة، أو يجعلوه عامرا، ويريد: إن المساجد إنما تعمر بعبادة الله وحده، فمن كان بالله كافرا فليس من شأنه أن يعمرها، وقال الحسن: ما كان للمشركين أن يتركوا فيكونوا أهل المسجد الحرام.
واختلف القراء في قوله: (مساجد الله) قال ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وابن أبي رباح وحميد بن كثير وأبو عمرو: مسجد الله بغير ألف أرادوا المسجد الحرام، واختاره أبو حاتم لقوله تعالى: " * (فلا يقربوا المسجد الحرام) *)، وقرأ الباقون (مساجد) بالألف على الجمع، واختاره أبو عبيد لأنه أعم القراءتين.
قال الحسن: فإنما قال (مساجد الله) لأنه قبلة المساجد كلها وأمامها، وقال أبو حاتم أن عمران بن جدير قال لعكرمة: إنما يقرأ: مساجد الله وإنما هو مسجد واحد؟ فقال عكرمة: إن الصفا والمروة من شعائر الله، وقال الضحاك ومجاهد: حدث العرب بالواحد إلى الجمع والجمع إلى الواحد، ألا ترى الرجل على البرذون يقول ركبت البراذين؟ ويقال للرجل: إنه لكثير الدر والذمار، وتقول العرب: عليه أخلاق نعل واسمال ثوب. وأنشدني أبو الجراح العقيلي:
جاء الشتاء وقميصي أخلاق وشرذم يضحك مني التواق يعني: خلق.
وقوله: " * (شاهدين على أنفسهم بالكفر) *) أراد وهم شاهدون، فلما طرحت (وهم) نصبت، وقال الحسن: يقولون: نحن كفار (نشهد) عليهم بكفرهم، وقال السدي: شهادتهم على أنفسهم بالكفر هي أن النصراني يسأل: ما أنت فيقول: نصراني، واليهودي فيقول: يهودي والصابئي، فيقول: صابئي ويقال للمشرك: ما دينك؟ فيقول: مشرك.
وقال حمزة عن الضحاك عن ابن عباس: شهادتهم على أنفسهم بالكفر سجودهم لأصنامهم وإقرارهم بأنها مخلوقة، وذلك أن كبار قريش نصبوا أصنامهم خارجا من بيت الله الحرام عند القواعد، وكانوا يطوفون بالبيت عراة ويقولون: لا نطوف وعلينا ثياب قد عملنا فيها بالمعاصي، وكانوا يصفقون ويصفرون ويقولون: إن تغفر اللهم تغفره جما، وأي عبد لك لا ألما (...
(١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 ... » »»