تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٤ - الصفحة ٤٤
قال ابن مسعود: لأن أكون صاحب هذا المسجد أحب إلي مما عدل بي.
فلما فعلت بنو إسرائيل ما فعلت من معصيتهم بينهم ومخالفتهم أمر ربهم وهممتم بيوشع وكالب، غضب موسى ودعا عليهم " * (قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق) *) أي فأفصل واقض.
وقرأ عبيد بن عمير: فافرق بخفض الراء " * (بيننا وبين القوم الفاسقين) *) العاصين. وكانت عجلة عجلها موسى وظهر الغمام على باب قبة الزمر موضع مناجاته وأوحى الله تعالى إلى موسى: إلى متى يعصيني هذا الشعب وإلى متى لا يصدقون بالآيات لأهلكنهم جميعا ولاجعلن لك شعبا أشد وأكثر منهم، فقال موسى (عليه السلام): إلهي لو إنك قتلت هذا الشعب كلهم كرجل واحد لقالت الأمم الذين سمعوا: إنما قتل هذا الشعب لأنه لم يستطع أن يدخلهم الأرض المقدسة فقتلهم في البرية، وإنك طويل صبرك كثير نعمك وإنك تغفر الذنوب وتحفظ الآباء على الأبناء وأبناء الأبناء، فاغفر لهم توبتهم، فقال الله لموسى: قد غفرت لهم بكلمتك ولكن بعد ما سميتهم فاسقين ودعوت عليهم لأحرمن عليهم دخول الأرض المقدسة غير عبدي يوشع وكالب ولأتيهنهم في هذه البرية أربعين سنة فكان كل يوم من الأيام الذي يحتسبوا فيها سنة وليلقين حتفهم في هذه القفار وأما بنوهم الذين لم يعلموا الخير والشر فإنهم يدخلون الأرض المقدسة فذلك قوله تعالى " * (قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض) *) يتحيرون في الأرض فلبثوا أربعين سنة في ستة فراسخ يسيروا في كل يوم جادين حتى إذا أمسوا وباتوا فإذا هم في الموضع الذي ارتحلوا عليه، وكانوا ستمائة الف مقاتل ومئات من النقباء العشرة الذين أفشوا الخبر بغتة فكل من دخل التيه ممن جاوز عشرين سنة مات في التيه غير يوشع وكالب، ولم يدخل أريحا أحد ممن قالوا " * (إنا لن ندخلها أبدا) *) فلما هلكوا وانقضت أربعون سنة ونشأت النواشي من ذرياتهم ساروا إلى حرب الجبارين.
واختلف العلماء في من تولي ذلك الحرب وعلى يد من كان الفتح، فقال القوم: إنما فتح أريحا موسى (عليه السلام) وكان يوشع على مقدمته فسار موسى إليهم بمن بقي من بني إسرائيل فدخل بهم يوشع وقاتل الجبابرة التي كانوا بها ثم دخلها موسى (عليه السلام) بني إسرائيل فأقام فيها ما شاء الله أن يقيم فيه ثم قبضه الله إليه لا يعلم بقبره أحد من الخلائق، وهذا أصح الأقاويل، لإجماع العلماء أن عوج ابن عناق قتله موسى، والله أعلم.
وقال الآخرون: إنما قاتل الجبارين يوشع ولم يسر إليهم إلا بعد موت موسى، وهلاك جميع من أبى المسير إليها فقالوا: مات موسى وهارون في التيه.
(٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 ... » »»