تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٤ - الصفحة ٣٥٢
" * (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) *) اختلفوا في معنى هذه الآية فقال محمد بن إسحاق بن يسار: هذه حكاية عن المشركين، إنهم قالوها وهي متصلة بالآية الأولى، (وقيل): إن المشركين كانوا يقولون: والله إن الله لا يعذبنا ونحن نستغفر ولا يعذب أمة ونبيها معهم، وذلك من قولهم ورسول الله بين أظهرهم، فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم يذكر له جهالتهم وغرتهم واستفتاحهم على أنفسهم إذ قالوا " * (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك) *) وقالوا: * (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) * * (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) *) ثم قال ردا عليهم " * (وما لهم ألا يعذبهم الله) *) وإن كنت بين أظهرهم أن كانوا يستغفرون " * (وهم يصدون عن المسجد الحرام) *).
وقال آخرون: هذا كلام مستأنف وهو قول الله تعالى حكاية عن نفسه ثم اختلفوا في وجهها وتأوليها:
فقال ابن أبزي وأبو مالك والضحاك: تأويلها: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم مقيم بين أظهرهم.
قالوا: فأنزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم وهو مقيم بمكة ثم خرج النبي من بين أظهرهم.
وبقيت منها بقية من المسلمين يستغفرون. فأنزل الله بعد خروجه عليه حين استغفر أولئك بها " * (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) *).
ثم خرج أولئك البقية من المسلمين من بينهم فعذبوا وأذن الله بفتح مكة، فهو العذاب الذي وعدهم.
ابن عباس: لم يعذب أولئك حتى يخرج النبي منها والمؤمنون. قال الله: " * (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) *) يعني المسلمين فلما خرجوا قال الله: " * (وما لهم ألا يعذبهم الله) *) يعذبهم يوم بدر.
وقال بعضهم: هذا الاستغفار راجع إلى المشركين: وما كان الله ليعذب هؤلاء المشركين ما دمت فيهم وما داموا يستغفرون. وذلك أنهم كانوا يطوفون بالبيت ويقولون لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك بملكه لو ما ملك، ويقولون غفرانك غفرانك. هذه رواية أبي زميل عن ابن عباس.
وروى ابن معشر عن يزيد بن روحان ومحمد بن قيس قالا: قالت قريش بعضها لبعض: محمد أكرمه الله من بيننا " * (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء) *). الآية فلما أمسوا ندموا على ما قالوا، فقالوا: غفرانك اللهم. فأنزل الله عز وجل " * (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) *).
وقال أبو موسى الأشعري: إنه كان فيكم أمانا لقوله تعالى " * (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) *).
(٣٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 347 348 349 350 351 352 353 354 355 356 357 ... » »»