تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٤ - الصفحة ٣٤٩
واسترحم وكان أمره في غيركم. فقال إبليس بئس الرأي رأيكم تعمدون إلى رجل قد أفسد سفهاءكم فتخرجوا به إلى غيركم يفسدهم كما أفسدكم، ألم تروا حلاوة قوله وطلاقه لسانه وأخذ القلوب ما يسمع من حديثه.
والله لئن فعلتم، ثم استعرض العرب لتجتمعن عليه ثم ليأتين إليكم فيخرجكم من بلادكم ويقتل أشرافكم.
قالوا: صدق والله الشيخ.
فقال أبو جهل: لأشيرن عليكم برأي ما أرى غيره: إني أرى أن نأخذ واحدا من كل بطن من قريش غلاما وسبطا ثم يعطى كل رجل منهم سيفا صارما ثم يضربونه ضربة رجل واحد فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل كلها، ولا أظن هذا الحي من بني هاشم يقوون على حرب قريش كلها وإنهم إذا رأوا ذلك قبلوا العقل فتؤدي قريش ديته واسترحنا، فقال إبليس: صدق هذا الفتى و (هذا) أجودكم رأيا، القول ما قاله لا أرى غيره.
فتفرقوا على قول أبي جهل، وهم مجتمعون فأتى جبرئيل النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بذلك وأمره أن لا يبيت على مضجعه الذي كان يبيت فيه، وأذن الله تعالى له عند ذلك بالخروج إلى المدينة وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فنام في مضجعه فقال: اتشح ببردي فإنه لن يخلص إليك أمر تكرهه.
ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ قبضه من تراب فأخذ الله أبصارهم عنه وجعل ينثر التراب على رؤسهم وهو يقرأ " * (إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون) *) ومضى إلى الغار من ثور فدخله هو وأبو بكر وخلف عليا رضي الله عنه بمكة حتى يؤدي عنه الودائع التي قبلها وكانت الودائع توضع عنده لصدقه وأمانته وكان المشركون يتحرسون عليا رضي الله عنه وهو على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم يحسبون أنه النبي، فلما أصبحوا ثاروا إليه فرأوا عليا رضي الله عنه.
وقد رد الله مكرهم وما ترك منهم رجلا إلا وضع على رأسه التراب.
فقالوا: أين صاحبك؟
قال: لا أدري فاقتصوا أثره وأرسلوا في طلبه فلما بلغوا الجبل، فمروا بالغار فرأوا على بابه نسيج العنكبوت، وقالوا: لو دخل هاهنا لم يكن نسيج العنكبوت على بابه، فمكث فيه ثلاث أيام ثم قدم المدينة فذلك قوله تعالى: " * (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك) *).
قال ابن عباس ومجاهد ومقسم والسدي: ليوثقوك. وقال قتادة: ليشدوك وثاقا.
(٣٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 344 345 346 347 348 349 350 351 352 353 354 ... » »»