تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٤ - الصفحة ٣١
فاختلف الفقهاء في حكم الروايات المذكورة في الآية. فجعلوها بمعنى الترتيب والتعقيب وأوجبوا الترتيب في الوضوء وهو أن يأتي بأفعال الوضوء تباعا واحدا بعد واحد. فيغسل وجهه ثم يديه ثم يمسح رأسه ثم يغسل رجليه، وهو اختيار الشافعي، فاحتج بقوله " * (إن الصفا والمروة من شعائر الله) *).
قال جابر بن عبد الله: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج وذكر الحديث إلى أن قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصفا وقال: (إبدأوا بما بدأ الله به) فدل هذا على شيئين: أحدهما: أن الواو يوجب الترتيب، والثاني أن البداية باللفظ توجب البداية بالفعل إلا أن يقوم الدليل.
واحتج أيضا بقوله " * (اركعوا واسجدوا) *) فالركوع قبل السجود، واحتج أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم (لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الوضوء مواضعه فيغسل وجهه ثم يغسل يديه ثم يمسح رأسه ثم يغسل رجليه). و (ثم) في كلام العرب للتعقيب.
عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه إنه قال لعبد الله بن زيد الأنصاري قال: أتستطيع أن تري كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ فقال عبد الله: نعم، فدعا بوضوء وأفرغ على يديه فغسل وجهه ثلاثا ويديه ثلاثا ومسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ذهب بهما إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه.
وقال مالك: إن ترك الترتيب في الوضوء عامدا، أعاد وضوءه فإن تركه ناسيا لم يعد، وهو اختيار المزني.
وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة وصاحباه: الترتيب في الوضوء سنة فإن تركه ساهيا أو عامدا فلا إعادة عليه، وجعلوا الواو بمعنى الجمع، واحتجوا بقوله تعالى " * (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) *) ولا خلاف أن تقديم بعض أهل السهمين على بعض في الإعطاء بتمايز. وبقوله " * (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) *). ويحرم تقديم أحدهما على الآخر.
وأما فضل الوضوء فروى يحيى بن أبي كثير عن زيد عن ابن سلام عن أبي مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الطهور شطر الإيمان).
(٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 ... » »»