قالا: فلم يترك في الدار مسكينا ولا ذا قرابة إلا أعطاهم من مال أبيه، وتلا هذه الآية " * (وإذا حضر القسمة) *).
قال القاسم: فذكرت ذلك لابن عباس فقال: ما أصاب، ليس ذلك له إنما ذلك في الوصية.
" * (وليخش الذين لو تركوا) *) الآية.
قال أكثر المفسرين: هذا في الرجل يحضره الموت فيقول من بحضرته عند وصيته: أنظر لنفسك فإن أولادك وورثتك لا يغنون عنك شيئا، فقدم لنفسك اعتق وتصدق وأعط فلانا كذا وفلانا كذا حتى يأتي على عامة ماله ويستغرقه ولا يبقي لورثته شيئا، فنهاهم الله عز وجل من ذلك وأمرهم أن يأمروه أن يبقي لولده ولا يزيد في وصيته على الثلث ولا يجحف بورثته، كما لو كان هذا الميت هو الموصي، لسره أن يحثه من يحضره على حفظ ماله لولده ولا يدعهم عالة مع ضعفهم، ويجرهم إلى التصرف والحيلة.
وقال مقسم الحضرمي: الرجل يحضره الموت فيقول له من بحضرته: اتق الله وأمسك عليك مالك فليس أحد أحق بمالك من أولادك، وينهاه عن الوصية لأقربائه ولليتامى والفقراء، ولو كان هذا هو الموصي لسره أن يوصي لهم.
وقال الكلبي: هذا الخطاب لولاة اليتامى يقول: من كان في حجره يتيم فليحسن إليه، فليقل وليفعل خيرا وليأت إليه ما يحب أن يفعل بذريته من بعده. وهي رواية عطية عن ابن عباس.
وقال الشعري: كنا بالقسطنطينية أيام مسلمة بن عبد الملك وفينا ابن محبرين وابن الديلمي وهاني بن مكتوم، وجعلنا نتذاكر ما يكون في آخر الزمان، فضقت ذرعا لما سمعت فقلت لابن الديلمي: يا أبا بشير علي ودي أنه لا يولد لي ولد أبدا قال: فضرب بيده على منكبي وقال: يا بن أخي لا تفعل فإنه ليست من قسمة كتب الله لها أن تخرج من صلب رجل إلا وهي خارجة شئنا أو أبينا، ألا أدلك على أمر إن أنت أدركته نجاك الله منه، وإن تركت ولدا من بعدك حفظهم الله فيك؟ قلت: بلى فتلا هذه الآية، " * (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا) *) والسديد العدل والصواب من القول " * (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما) *) الآية.
قال مقاتل بن حيان: نزلت في رجل من غطفان يقال له مرثد بن زيد، ولي مال ابن أخيه وهو يتيم صغير فأكله فأنزل الله عز وجل فيه " * (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما) *) حراما بغير حق " * (إنما يأكلون في بطونهم نارا) *) أخبر عن ماله وأخبر عن حاله، والعرب تقول للشيء الذي يؤدى إلى الشيء: هذا كذا لما يؤدى إليه، مثل قولهم: هذا الموت، أي يؤدي إليه.