تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٢ - الصفحة ٧٢
أدي ومن أفطر فبرخصة الله أخذ ولا قضاء على من صام إذا أقام، وهذا هو الصحيح وعليه عامة الفقهاء. ويدل عليه: ما روى عاصم بن الأحول عن أبي نضرة عن جابر قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فمنا الصائم ومنا المفطر فلم يكن بعضنا يعيب على بعض.
وروى يحيى بن سعيد عن هشام عن أبيه عن عائشة: إن حمزة بن عمرو قال: يا رسول الله إني كنت أتعود الصيام أفأصوم في السفر قال: (إن شئت فصم وإن شئت فأفطر).
وعن عروة بن أبي قراح عن حمزة بن عمرو إنه قال: يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل علي جناح قال: (هي رخصة من الله عز وجل فمن آخذها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه).
واما قوله صلى الله عليه وسلم (ليس من البر الصيام في السفر). فإن تمام الخبر يدل على تأويله وهو ما روى محمد بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل في ظل شجرة يرش عليه الماء فقال: (ما بال صاحبكم هذا؟) قالوا: يا رسول الله صام، قال: (إنه ليس من البر أن تصوموا في السفر، وعليكم برخصة الله تعالى التي رخص لكم فاقبلوها)، وكذلك تأويل قوله ج: (الصائم من السفر كالمفطر في الحضر).
يدل عليه حديث مجاهد عن ابن عمر: إنه مر برجل ينضح الماء على وجهه وهو صائم، فقال: أفطر ويحك فإني أراك لو مت على هذا دخلت النار.
والجامع لهذه الأخبار والمؤيد لما قلنا ما روى أيوب عن عروة وسالم إنهما كانا عند عمر بن عبد العزيز، إذ هو أمير على المدينة. فتذاكروا الصوم في السفر. فقال سالم: كان ابن عمر لا يصوم في السفر، وقال عروة: كانت عائشة تصوم في السفر. فقال: سالم: إنما أحدث عن ابن عمر، وقال عروة: إنما أحدث عن عائشة، فارتفعت أصواتهما، فقال عمر بن عبد العزيز: اللهم اغفر إذا كان يسرا فصوموا وإذا كان عسرا فافطروا.
ثم اختلفوا في المستحب منهم، فقال قوم: الصوم أفضل، وهو قول معاذ بن جبل وأنس وإبراهيم ومجاهد.
ويروى إن أنس بن مالك أمر غلاما له بالصوم في السفر، فقيل له في هذه الآية، فقال: نزلت ونحن يومئذ نرحل جياعا وننزل على غير شبع، فمن أفطر فبرخصة، ومن صام فالصوم أفضل.
(٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 ... » »»