تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ١ - الصفحة ٢١٥
قال ابن عباس ووهب وغيرهما: كان في بني إسرائيل رجل صالح له ابن طفل وكان له عجل فأتى بالعجل إلى غيضة وقال: اللهم إني استودعك هذه العجلة لابني حتى يكبر ومات الرجل فسبيت العجلة في الغيضة وصارت عوانا وكانت تهرب من كل من رامها. فلما كبر الابن كان بارا بوالدته وكان الليلة يقسم ثلاثة أثلاث: يصلي ثلثا وينام ثلثا ويجلس عند رأس أمه ثلثا فإذا أصبح انطلق واحتطب على ظهره ويأتي به السوق فيبيعه بما شاء الله ثم يتصدق بثلثه ويأكل ثلثه ويعطي والدته ثلثا، وقالت له أمه يوما: إن أباك ورثك عجلة وذهب بها إلى غيضه كذا واستودعها الله عز وجل فانطلق إليها فأدع اله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق بأن يردها عليك، وان من علامتها إنك إذا نظرت إليها يخيل إليك إن شعاع الشمس يخرج من جلدها وكانت تسمى المذهبة لحسنها وصفرتها وصفاء لونها فأتى الفتى الغيضة فرآها ترعى وقال: أعزم عليك بآله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب فأقبلت تسعى حتى قامت بين يديه فقبض على عنقها وقادها فتكلمت البقرة بأذن الله وقالت: أيها الفتى البار بوالدته إركبني فأن ذلك أهون عليك. فقال الفتى، إن أمي لم تأمرني بذلك ولكن قالت: خذها بعنقها فقالت البقرة: بأله بني إسرائيل لو ركبتني ما كنت تقدر علي أبدا فأنطلق فأنك لو أمرت الجبل أن ينقلع من أصله وينطلق معك لفعل لبرك بوالدتك. وسار الفتى فاستقبله عدو الله إبليس في صورة راع فقال: أيها الفتى إني رجل من رعاة البقر إشتقت إلى أهلي فأخذت ثورا من ثيراني فحملت عليه زادي ومتاعي حتى إذا بلغت شطر الطريق ذهبت لأقضي حاجتي صعدا وسط الجبل وما قدرت عليه وإني أخشى على نفسي الهلاك، فأن رأيت أن تحملني على بقرتك وتنجني من الموت وأعطيك أجرها بقرتين مثل بقرتك فلم يفعل الفتى وقال: إذهب فتوكل على الله فلو علم الله منك اليقين بلغك بلا زاد ولا راحلة فقال إبليس: فأن شئت فبعنيها بحكمك، وإن شئت فاحملني عليها وأعطيك عشرة مثلها فقال الفتى: إن امي لم تأمرني بهذا فبينا الفتى كذلك إذ طار طائر من بين يدي البقرة ونفرت البقرة هاربة في الفلاة وغاب الراعي فدعاها الفتى بأسم آله إبراهيم فرجعت إليه البقرة فقالت أيها الفتى البار بوالدته ألم تر إلى الطائر الذي طار إنه إبليس عدو الله إختلسني أما إنه لو ركبني لما قدرت علي أبدا فلما دعوت آله إبراهيم جاء ملك فانتزعني من يد إبليس وردني إليك لبرك بوالدتك وطاعتك لها.
فجاء بها الفتى إلى أمه، فقالت له: إنك فقير لا مال لك ويشق عليك الاحتطاب بالنهار والقيام بالليل فانطلق فبع هذه البقرة وخذ ثمنها. قال بكم أبيعها؟
قالت: بثلاثة دنانير ولا تبعها بغير رضاي ومشورتي وكانت ثمن البقرة في ذلك الوقت فانطلق بها الفتى إلى السوق فبعث الله ملكا إنسانا خلقه بقدرته ليخبر الفتى كيف بره بوالدته وكان الله به خبيرا فقال له الملك: بكم تبيع هذه البقرة؟
قال: بثلاثة دنانير واشترط عليك رضا والدتي. فقال الملك: ستة دنانير ولا تستأمر أمك.
(٢١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 ... » »»