تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ١ - الصفحة ٢١٢
البحر الملح من خلفهم وقيل لهم: " * (خذوا ما آتيناكم) *) أي أعطيناكم.
" * (بقوة) *) بجد ومواظبة. وفيه إضمار، أي: وقلنا لهم: خذوا.
" * (واذكروا ما فيه) *) أي احفظوه واعلموه واعملوا به و (في) حرف أولي فاذكروا بذال مشددة وكسر الألف المشددة و (في) حرف وانه وتذكروا ما فيه ومعناهما اتعظوا به " * (لعلكم تتقون) *) لكي تنجوا من الهلاك في الدنيا والعذاب في العقبى فإن قبلتموه وفعلتم ما أمرتم به وإلا رضختكم بهذا الجبل وأغرقتكم في البحر وأحرقتكم بهذه النار، فلما رأوا أن لا مهرب لهم قبلوا لك وسجدوا خوفا وجعلوا يلاحظون الجبل وهم سجود، فصارت سنة في اليهود لا يسجدون إلا على أنصاف وجوههم فلما زال الجبل قالوا: يا موسى سمعنا وأطعنا ولولا الجبل ما أطعناك.
" * (ثم توليتم) *) أعرضتم وعصيتم.
" * (من بعد ذلك) *) أي من بعد أخذ الميثاق ورفع الجبل.
" * (فلولا فضل الله عليكم ورحمته) *) بتأخير العذاب عنكم.
" * (لكنتم من الخاسرين) *) لصرتم من المغلوبين بالعقوبة وذهاب الدنيا والآخرة.
" * (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت) *) وذلك أنهم كانوا من داودج بأرض يقال لها أيلة حرم الله عليهم صيد السمك يوم السبت فكان إذا دخل يوم السبت لم يبق حوت في البحر إلا اجتمع هناك حتى يخرجن خراطيمهن من الماء لأمنها، فإذا مضى السبت تفرقن ولزمن البحر فذلك قوله تعالى: " * (إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم) *) فعمد رجال فحفروا الحياض حول البحر وشرعوا منه إليها الأنهار فإذا كانت عشية الجمعة فتحوا تلك الأنهار فأقبل الموج بالحيتان إلى الحياض فلا تطيق الخروج لبعد عمقها وقلة الماء فإذا كان يوم الأحد أخذوها، وقيل: كانوا ينصبون الحبائل والشصوص يوم الجمعة ويخرجونها يوم الأحد، ففعلوا ذلك زمانا فكثرت أموالهم ولم تنزل عليهم عقوبة، فقست قلوبهم وأصروا على الذنب، وقالوا: ما نرى السبت إلا قد أحل لنا، فلما فعلوا ذلك صار أهل القرية وكانوا سبعين ألفا ثلاثة أصناف: صنف أمسك ونهى وصنف أمسك ولم ينه، وصنف انتهك الحرمة، وكان الذين نهوا إثنا عشر ألفا فلما أبى المجرمون قبول نصحهم قال الناهون: والله لا نساكنكم في قرية واحدة، فقسموا القرية بجدار وغيروا بذلك سنتين فلعنهم داود وغضب الله عز وجل عليهم لإصرارهم على المعصية فخرج الناهون ذات يوم من بابهم والمجرمون لم يفتحوا أبوابهم ولا خرج منهم أحد فلما أبطأوا تسوروا عليهم الحائط فإذا هم جميعا قردة فمكثوا ثلاثة أيام ثم هلكوا، ولم يمكث مسخ فوق ثلاثة أيام ولم يتوالدوا فذلك قول عز وجل " * (فقلنا لهم كونوا قردة) *) أمر تحويل.
" * (خاسئين) *) مطرودين صاغرين بلغة كنانة، قاله مجاهد وقتادة والربيع.
(٢١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 ... » »»