عيونا من ماء الرحمة فأنبت المعرفة فاخضرت القلوب بزينة المعرفة وأثمرت الإيمان، وأينعت التوحيد، وأضاءت بالمحبة فهامت إلى سيدها، واشتاقت إلى ربها فطارت بهمتها فأناخت بين يديه، وعطفت عليه، وأقبلت إليه، وانقطعت عن الأكوان أجمع إذ ذاك آواها الحق إليه، وفتح لها خزائن أنواره، وأطلق لها القترة في بساتين الحق ورياض الشوق والأنس.
قوله تعالى: * (وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم) * [الآية: 66].
قال الجنيد رحمة الله عليه: أحياكم بمعرفته، ثم يميتكم أوقات الغفلة والقترة، ثم يحييكم بالجذب بعد الفترة ثم يقطعكم عن الجملة، ويوصلكم إليه حقيقة، إن الإنسان لكفور يعد ما له وينسى ما عليه.
قوله تعالى: * (تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر) * [الآية: 72].
- قال أبو بكر بن طاهرك تتبين في شواهد المعرضين عنا آثار الوحشة والظلمة المخالفة؛ لأن ظواهره إنما أشرقت بالسرائر، والسرائر أشرقت بأنوار الحق فمن كان سره في ظلمة والإنكار كيف تلوح آثار الأنوار على شاهده؟ وكل شاهد شاهد الأكوان والأعواض فهو في ظلمة حتى يشاهد الحق ولا يشاهد معه غيره، إذ ذاك تلوح عليه أنوار مشاهدة الحق قال الله تعالى: * (تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر) *.
قال عز وعلا: * (وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه) * [الآية: 73].
سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا العباس بن عطاء رحمة الله عليه وعليهم في قوله: * (وإن يسلبهم الذباب) * قال: دلهم بهذا على مقاديرهم فمن كان أشد هيبة وأعظم ملكا لا يملكه الاحتراز من أهوال الخلق وأضعفه ليعلم بذلك ضعفه، وعجزه، وعبوديته، وذلته لئلا يفتخر على أبناء جنسه من بني آدم بما يملكه من الدنيا.
قوله تعالى: * (ضعف الطالب والمطلوب) * [الآية: 73].
سمعت منصور بن عبد الله يقول سمعت أبا بكر بن طاهر يقول في هذه الآية * (ضعف الطالب) * أن يدركه، والمطلوب أن يفوته.
قوله عز وعلا: * (وما قدروا الله حق قدره) * [الآية: 74].
قال الواسطي رحمة الله عليه: لا يعرف قدر الحق إلا الحق وكيف يقدر أحد قدره،