دينك معه يا لكع أين أنت من قوله تعالى: * (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها) * ألم يهمك إذن الأمانة التي حملتها حتى اختلت، تنظر في عطفيك، وتتبختر في مشيتك، هيهات هيهات ما ابعدك عند طريق المتقين واجهلك بسيرة المؤمنين.
قال أبو بكر بن طاهر: إن الإمانة عرضت على السماوات والأرض فأبوا حملها وأشفقوا من ذلك وهربوا منها فلما عرضت على آدم قال: احمل هذه الأمانة بقوتي ونفسي أم بالحق؟ فقيل: بل من يحملها يحملها بنا فإن ما منا لا يحمل إلا بنا، فحملها آدم.
قوله تعالى: * (إنه كان ظلوما جهولا) * [الآية: 72].
قال: ظلوما حيث ظن أن أحدا يحمل بنفسه شيئا، جهولا بعظيم قدر الأمانة وأن أحدا يطيق إتمامها بنفسه دون توفيق ربه.
قال أبو عثمان: الأمانات شتى على النفس أمانة وعلى القلب أمانة وعلى السر أمانة وعلى الفؤاد أمانة وعلى الروح أمانة وفي العينين أمانة وفي اللسان أمانة وعلى السمع أمانة وعلى الرجلين أمانة وعلى اليدين أمانة فمن لم يراع أمانة الله عليه عنده ضيع أوقاته وخاب سعيه.
قال الجنيد رحمة الله عليه: إن الله لما عرض على السماوات والأرض والجبال فأبوا حملها وعرضت على آدم فقبلها فأبوا حين ظنوا انهم بإياهم يحملون، وحملها آدم حين علم أنه به يحملها لا بنفسه.
وقال أيضا: نظر آدم إلى عرض الحق فأنساه لذة العرض ثقل الأمانة وشدتها فحمل بالعرض من غير النظر إلى الأمانة.
وقال أيضا: أشفقت السماوات والأرض عن حمل الأمانة لعظم خطرها وسهل على آدم قبولها وحملها قوله: * (عرضنا) * فتخصيص العرض حسر آدم على حمل الأمانة.
وقال: لو كانت مثل الأمانة ألوف امانات حملتها بعد أن يكون عن عرضك حملها.
وقال: في قوله: * (ظلوما جهولا) * ظلوما لنفسه جهولا بعاقبته.
قال ابن عطاء: ظلم نفسه حيث لم يشفق مما أشفق منه السماوات والأرض.