ثم رجع عثمان فأخبر أنهم قد أبوا ذلك وبلغت قريشا البيعة فكبرت تلك البيعة عندهم وقالوا ليزيد بن الحارث الكناني أردده عنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم (ابعثوا الهدي في وجهه حتى يراها فإنهم قوم يعظمون الهدي) فبعثوا الهدي في وجهه فلما رأى يزيد بن الحارث الهدى قال ما أرى أحد يفلح برد هذا الهدي ورجع إلى قريش فقال لهم لا تردوا هذا الهدي فإني أخشى أن يصيبكم عذاب من السماء فأرسلوا عروة بن مسعود الثقفي فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجلس إليه فقال يا محمد ارجع عن قومك هذه المرة فجعل يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويومئ بيديه إلى لحيته وكان المغيرة قائما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربه بالسوط على يده وقال اكفف يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يصل إليك ما تكره فقال عروة من هذا يا محمد فقال (ابن أخيك المغيرة بن شعبة) فقال يا غدر ما غسلت سلختك عني بعد أفتضرب يدي قال اكففها قبل أن لا تصل إليك فرجع عروة إلى قريش فقالوا له ما وراءك فقال خلوا سبيل الرجل يعتمر فإني حضرت كسرى وقيصر والنجاشي فما رأيت ملكا قط أصحابه أطوع من هذا الملك والله إنه ليتنخم فيبتدرون نخامته والله إنه ليجلس فيبتدرون التراب الذي يجلس عليه وإنه ليتوضأ فيبتدرون وضوءه فقالوا جبنت وانتفح سحرك ثم قالوا لسهيل بن عمرو اذهب واردده عنا وصالحه فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (قد سهل أمرهم) فجاءه سهيل في نفر من قريش فقال يا محمد ارجع عن قومك هذه المرة على أن لك أن تأتيهم من العام المقبل فتعتمر أنت وأصحابك ويدخل كل إنسان منكم بسلاحه راكبا فتصالحنا على أن لا تقاتلنا ولا نقاتلك سنتين فرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال (اكتب بيننا وبينك كتابا) فأمر عليا رضي الله عنه أن يكتب فكتب (بسم الله الرحمن الرحيم) فقال سهيل لا أعرف الرحمن قال فكيف أكتب قال (اكتب باسمك اللهم فكتب باسمك اللهم هذا ما صالح عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم) فقال سهيل لو أعلم أنك رسول الله لاتبعتك أفترغب عن اسم أبيك فقال علي رضي الله عنه فوالله إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم على رغم أنفك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنا محمد رسول الله وأنا محمد بن عبد الله اكتب محمد بن عبد الله) لأنه كان عهد أن لا يسألوه عن شيئا يعظمون به حرماتهم إلا قبله فكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو ألا تقاتلنا ولا نقاتلك سنتين وندخل في حلفنا من نشاء وتدخلوا في حلفكم من شئتم وعلى أنكم تأتون من العام المقبل وتقيمون ثلاثة أيام ثم ترجعون وعلى أن ما جاء منا إليكم لا تقبلوه وتردوه إلينا ومن جاء منكم إلينا فهو منا فلا نرده إليكم فشق ذلك الشرط على المسلمين فقالوا يا رسول الله من لحق بنا منهم لم نقبله ومن لحق بهم منا فهو لهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأما من لحق بهم منا فأبعده الله وأولى بمن كفر وأما من أراد أن يلحق بنا منهم فسيجعل الله له مخرجا) فجاء أبو جندل بن سهيل يرسف في الحديد يعني يمشي مشي الأعرج قد أسلم فأوثقه أبوه حين خشي أن يذهب إلى
(٢٩٥)