في ذلك اليوم لا يكون مالك ولا قاض ولا مجاز غيره قوله تعالى (إياك نعبد) هو تعليم علم المؤمنين كيف يقولون إذا قاموا بين يديه في الصلاة فأمرهم بأن يذكروا عبوديتهم وضعفهم حتى يوفقهم ويعينهم فقال * (إياك نعبد) * أي نوحد ونطيع وقال بعضهم * (إياك نعبد) * يعني إياك نطيع طاعة نخضع فيها لك قوله " وإياك تسعين " يقول بك نستوثق على عبادتك وقضاء الحقوق ففي هذا دليل على أن الكلام قد يكون بعضه على وجه المغايبة وبعضه على وجه المخاطبة لأنه افتتح السورة بلفظ المغايبة وهو قوله * (الحمد لله) * ثم ذكر بلفظ المخاطبة فقال (إياك نعبد وإياك نستعين) وهذا كما قال في آية أخرى * (هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك) * يونس 22 فذكر بلفظ المخاطبة ثم قال * (وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها) * يونس 22 على المغايبة ومثل هذا في القرآن كثير قوله تعالى * (اهدنا الصراط المستقيم) * رويت القراءتان عن ابن كثير أنه قرأ " السراط " بالسين وروي عن حمزة أنه قرأ بالزاي وقرأ الباقون بالصاد وكل ذلك جائز لأن مخرج السين والصاد واحد وكذلك الزاي مخرجها منهما قريب والقراءة المعروفة بالصاد * (اهدنا الصراط المستقيم) * قال ابن عباس رضي الله عنهما * (اهدنا الصراط المستقيم) * يعني أرشدنا الطريق المستقيم وهو الإسلام فإن قيل أليس هذا الطريق المستقيم وهو الإسلام فما معنى السؤال قيل له الصراط المستقيم هو الذي ينتهي بصاحبه إلى المقصود فإنما يسأل العبد ربه أن يرشده الثبات على الطريق الذي ينتهي به إلى المقصود ويعصمه من السبل المتفرقة وقد روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال (خط لي رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا مستقيما وخط بجنبه خطوطا ثم قال إن هذا الصراط المستقيم وهذه السبل المتفرقة وعلى رأس كل طريق شيطان يدعو إليه ويقول هلم إلى الطريق) وفي هذا نزلت هذه الآية * (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) * الأنعام 153 فلهذا قال * (اهدنا الصراط المستقيم) * واعصمنا من السبل المتفرقة قال الكلبي أمتنا على دين الإسلام وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال * (هدنا الصراط المستقيم) * يعني ثبتنا عليه ومعنى قول علي ثبتنا عليه يعني أحفظ قلوبنا على ذلك ولا تقلبها بمعصيتك وهذا موافق لقوله تعالى * (ويهديك صراطا مستقيما) * الفتح 2 فكذلك ههنا وقوله تعالى * (صراط الذين أنعمت عليهم) * يعني طريق الذين مننت عليهم فحفظت قلوبهم على الإسلام حتى ماتوا عليه وهم أنبياؤه وأصفياؤه وأولياؤه فامنن علينا كما مننت عليهم
(٤٣)