الطور) وذلك أن موسى عليه السلام لما أتاهم بالتوراة فرأوا ما فيها من التغليظ والأمر والنهي فشق ذلك عليهم فأبوا أن يقبلوا وإن الله تعالى قد من على هذه الأمة حيث فرض عليهم الفرائض واحدا بعد واحد ولم يفرض عليهم جملة فإذا استقر الواحد في قلوبهم فرض الآخر وأما بنوا إسرائيل فقد فرض عليهم دفعة واحدة فشق ذلك عليهم ولم يقبلوا فأمر الله تعالى الملائكة فرفعوا جبلا من جبال فلسطين وكان عسكر موسى فرسخا في فرسخ والجبل مثل ذلك فلما رأوا أنه لا مهرب لهم قبلوا التوراة وسجدوا من المهابة والفزع وهم يلاحظون في سجودهم الجبل فمن ذلك يسجد بعض اليهود على أنصاف وجوههم فذلك قوله تعالى * (ورفعنا فوقكم الطور) * والطور اسم جبل بالسريانية ويقال هو جبل ذو أشجار ثم قال تعالى * (خذوا ما آتيناكم بقوة) * يعني قيل لهم اعملوا بما آتيناكم بجد ومواظبة واعملوا في طاعة الله * (واذكروا ما فيه) * قال بعضهم اعملوا بما فيه وقال بعضهم اذكروا ما فيه من الثواب والعقاب لكي يسهل عليكم القبول * (لعلكم تتقون) * يعني لكي تتقوا عقوبته في المعصية فتمتنعوا عنها قوله تعالى * (ثم توليتم من بعد ذلك) * أي أعرضتم من بعد ذلك الإقرار يعني من بعد ما رفع عنكم الجبل وقيل البرهان وهو أخذ الميثاق ورفع الجبل * (فلولا فضل الله عليكم ورحمته) * أي من الله عليكم ورحمته بتأخير العذاب وقيل من بعد البيان في كتابهم بتأخير العذاب * (لكنتم من الخاسرين) * والخسران النقصان * (فلولا فضل الله عليكم ورحمته) * بإرسال الرسل إليكم لكيلا تقيموا على الكفر * (لكنتم من الخاسرين) * في العقوبة وقيل فضله في قبول التوبة سورة البقرة الآيات 65 - 66 ثم قال تعالى * (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت) * يعني اصطادوا ويقال استحلوا أخذ الحيتان يوم السبت والسبت في اللغة هو الراحة كما قال في آية أخرى * (وجعلنا نومكم سباتا) * النبأ 9 أي راحة فيوم السبت كان راحة لليهود عن أشغال الدنيا وهذه الآية على معنى التحذير والتهديد فكأنه قال إنكم تعلمون ما أصاب الذين استحلوا أخذ السمك في يوم السبت من العقوبة فاحذورا كيلا يصيبكم مثل ما أصابهم وذلك أن مدينة يقال لها آيلة على ساحل البحر كان يجتمع فيها السمك يوم السبت حتى يأخذ وجه الماء وفي سائر الأيام لا يأتيهم إلا قليل وقال بعض أهل القصص إنما كانت الحيتان تجتمع هناك لزيارة السمكة التي كان في بطنها يونس عليه السلام ففي كل سبت يجتمعن لزيارتها ويقال لم يكن لهذا المعنى
(٨٧)