أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٥٨٢
يشربان نبيذ الزبيب والتمر يخلطانه، فقيل له: يا أبا طلحة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا!
فقال: " إنما نهى عنه للعوز في ذلك الزمان كما نهى عن الإقران ". وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب كثير، وقد ذكرنا منه طرفا في كتابنا " الأشربة " وكرهت التطويل بإعادته هنا. وما روي عن أحد من الصحابة والتابعين تحريمه الأشربة التي يبيحها أصحابنا فيما نعلمه، وإنما روي عنهم تحريم نقيع الزبيب والتمر وما لم يرد من العصير إلى الثلث، إلى أن نشأ قوم من الحشو تصنعوا عند العامة بالتشديد في تحريمه، ولو كان النبيذ محرما لورد النقل به مستفيضا لعموم البلوى كانت به، إذ كانت عامة أشربتهم نبيذ التمر والبسر، كما ورد تحريم الخمر وقد كانت بلواهم بشرب النبيذ أعم منها بشرب الخمر لقلتها كانت عندهم، وفي ذلك دليل على بطلان قول موجبي تحريمه. وقد استقصينا الكلام في ذلك من سائر وجوهه في " الأشربة ".
وأما الميسر فقد روي عن علي أنه قال: " الشطرنج من الميسر ". وقال عثمان وجماعة من الصحابة والتابعين: " النرد ". وقال قوم من أهل العلم: " القمار كله من الميسر ". وأصله من تيسير أمر الجزور بالاجتماع على القمار فيه، وهو السهام التي يجيلونها، فمن خرج سهمه استحق منه ما توجبه علامة السهم، فربما أخفق بعضهم حتى لا يخطئ بشئ وينجح البعض فيحظى بالسهم الوافر، وحقيقته تمليك المال على المخاطرة. وهو أصل في بطلان عقود التمليكات الواقعة على الأخطار، كالهبات والصدقات وعقود البياعات ونحوها، إذا علقت على الأخطار، بأن يقول: " قد بعتك إذا قدم زيد " و " وهبته لك إذا خرج عمرو " لأن معنى إيسار الجزور أن يقول: من خرج سهمه استحق من الجزور كذا، فكان استحقاقه لذلك السهم منه معلقا على الخطر.
والقرعة في الحقوق تنقسم إلى معنيين، أحدهما: تطييب النفوس من غير إحقاق واحد من المقترعين ولا بخس حظه مما اقترعوا عليه، مثل القرعة في القسمة وفي قسم النساء وفي تقديم الخصوم إلى القاضي. والثاني: مما ادعاه مخالفونا في القرعة بين عبيد أعتقهم المريض ولا مال له غيرهم، فقول مخالفينا هنا من جنس الميسر المحظور بنص الكتاب لما فيه من نقل الحرية عمن وقعت عليه إلى غيره بالقرعة، ولما فيه أيضا من إحقاق بعضهم وبخس حقه حتى لا يخطئ منه بشئ واستيفاء بعضهم حقه وحق غيره، ولا فرق بينه وبين الميسر في المعنى.
وأما الأنصاب فهي ما نصب للعبادة من صنم أو حجر غير مصور، أو غير ذلك من سائر ما ينصب للعبادة.
وأما الأزلام فهي القداح، وهي سهام كانوا يجعلون عليها علامات " افعل " و " لا
(٥٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 577 578 579 580 581 582 583 584 585 586 587 ... » »»