تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل بن سليمان - ج ١ - الصفحة ١٠٦
* (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس) *، وذلك الحمس، قريش، وكنانة، وخزاعة، وعامر بن صعصعة، كانوا يبيتون بالمشعر الحرام، ولا يخرجون من الحرم خشية أن يقتلوا، وكانوا لا يقفون بعرفات، فأنزل الله عز وجل فيهم يأمرهم بالوقوف بعرفات، فقال لهم: * (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس) *، يعني ربيعة، واليمن كانوا يفيضون من عرفات قبل غروب الشمس، ويفيضون من جمع إذا طلعت الشمس، فخالف النبي صلى الله عليه وسلم في الإفاضة، * (واستغفروا الله) * لذنوبكم، * (إن الله غفور) * لذنوب المؤمنين، * (رحيم) * [آية: 199] بهم.
* (فإذا قضيتم مناسككم) * بعد أيام التشريق، * (فاذكروا الله كذكركم آباءكم، وذلك أنهم كانوا إذا فرغوا من المناسك وقفوا بين مسجد منى وبين الجبل يذكر كل واحد منهم أباه ومحاسنه، ويذكر صنائعه في الجاهليو أنه كان من أمره كذا وكذا، ويدعو له بالخير، فقال الله عز وجل: * (فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله) *، كذكر الأبناء الآباء، فإني فعلت ذلك الخير إلى آبائكم الذين تثنون عليهم، ثم قال سبحانه: * (أو أشد) *، يعني أكثر * (ذكرا) * لله منكم لآبائكم، وكانوا إذا قضوا مناسكهم قالوا: اللهم أكثر أموالنا، وأبناءنا، ومواشينا، وأطل بقاءنا، ونزل علينا الغيث، وأنبت لنا المرعى، وأصحبنا في سفرنا، وأعطنا الظفر على عدونا، ولا يسألون ربهم عن أمر آخرتهم شيئا، فأنزل الله تعالى فيهم: * (فمن الناس من يقول ربنا آتنا) *، يعني أعطنا * (في الدنيا) *، يعني هذا الذي ذكر، فقال سبحانه:
* (وما له في الآخرة من خلاق) * [آية: 200]، يعني من نصيب، نظيرها في براءة:
* (فاستمتعوا بخلاقهم) * [التوبة: 69]، يعني بنصيبهم، فهؤلاء مشركو العرب. فلما أسلموا وحجوا دعوا ربهم، فقال سبحانه: * (ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) * [آية: 201]، أي دعوا ربهم أن يؤتيهم * (في الدنيا حسنة) *، يعني الرزق الواسع، وأن يؤتيهم * (وفي الآخرة
(١٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 ... » »»