قالوا: قد فعلنا، فلما أصبحوا أمر موسى، عليه السلام، البقية الأثنى عشر ألفا الذين لم يعبدوا العجل أن يقتلوهم بالسيف والخناجر، فخرج من كل بني أب على حدة من منازلهم، فقعدوا بأفنية بيوتهم، فقال بعضهم لبعض: هؤلاء إخوانكم أتوكم شاهرين السيوف، فاتقوا الله واصبروا، فلعنة الله على رجل حل جيوبه، أو قام من مجلسه، أو اتقى بيد أو رجل، أو حار إليهم طرفة عين، قالوا: آمين، فقتلوهم من لدن طلوع الشمس إلى انتصاف النهار يوم الجمعة، وأرسل الله عز وجل عليهم الظلمة حتى لا يعرف بعضهم بعضا، فبلغت القتلى سبعين ألفا، ثم أنزل الله عز وجل الرحمة، فلم يحد فيهم السلاح، فأخبر الله عز وجل موسى، عليه السلام، أنه قد نزلت الرحمة، فقال لهم:
قد نزلت الرحمة، ثم أمر موسى المنادي فنادى: أن ارفعوا سيوفكم عن إخوانكم، فجعل الله عز وجل القتلى شهداء، وتاب الله على الأحياء، وعفى عن الذين صبروا للقتل، فلم يقتلوا، فمن مات قبل أن يأتيهم موسى، عليه السلام، على عبادة العجل دخل النار، ومن هرب من القتل لعنهم الله، فضربت عليهم الذلة والمسكنة، فذلك قوله: * (سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا) * [الأعراف: 152]، وذلك قوله سبحانه:
* (وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب) [الأعراف: 167]، " فكان الرجل يأتي نادى قومه وهم جلوس، فيقتل من العشرة ثلاثة ويدع البقية، ويقتل الخمسة من العشرين، ومن كتب عليهم الشهادة ويبقى الذين لم يقض لهم أن يقتلوا، فذلك قوله عز وجل: * (ثم عفونا عنكم) *، فلم نهلككم جميعا * (من بعد ذلك) *، يعني بعد العجل * (لعلكم) *، يعني لكي * (تشكرون) * [البقرة: 52] ربكم في هذه النعم، يعني العفو، فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم، وذلك قوله سبحانه في الأعراف: * (والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها)، يعني من بعد عبادة العجل * (وآمنوا) *، يعني وصدقوا بأن الله واحد لا شريك له، * (إن ربك من بعدها لغفور رحيم) * [الأعراف: 153] لذو تجاوز عنهم رحيم بهم عند التوبة.
تفسير سورة البقرة آية [53] * (وإذ آتينا موسى الكتاب) *، يعني التوراة، * (والفرقان) *، يعني النصر حين فرق بين الحق والباطل، ونصر موسى وأهلك فرعون، نظيرها في الأنفال قوله سبحانه: