الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ٨ - الصفحة ٨٩
وتأكيدا للأمر ودفعا لأي احتمال في غلبة اليأس على إبراهيم، قالت الملائكة: فلا تكن من القانطين.
لكن إبراهيم (عليه السلام) طمأنهم بعدم دخول اليأس من رحمة الله إليه، وإنما هو في أمر تلك القدرة التي تجعل من اختراق النواميس الطبيعية أمر حاصل وبدون الخلل في الموازنة، قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون.
إن الضالين هم الذين لا يعرفون الله وقدرته المطلقة، الله الذي خلق الانسان ببناءه العجيب المحير من ذرة تراب ومن نطفة حقيرة ليخرجه ولدا سويا، الله الذي حول نخلة يابسة إلى حاملة للثمر بإذنه، الله الذي جعل النار بردا وسلاما.. هل من شك بأنه سبحانه قادر على كل شئ، بل وهل يصح ممن آمن به وعرفه حق معرفته أن ييأس من رحمته!؟!
وراود إبراهيم (عليه السلام) - بعد سماعه البشارة - أن الملائكة قد تنزلت لأمر ما غير البشارة، وما البشارة إلا مهمة عرضية ضمن مهمتهم الرئيسية، ولهذا قال فما خطبكم أيها المرسلون قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين.
ومع علم الملائكة بإحساس إبراهيم (عليه السلام) المرهف وأنه دقيق في كل شئ ولا يقنع بالعموميات، فبينوا له أمر نزول العذاب على قوم لوط المجرمين باستثناء أهله إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين.
إن ظاهر تعبير " آل لوط " وما ورد من تأكيد بكلمة " أجمعين " سيشمل امرأة لوط الضالة التي وقفت في صف المشركين، ولعل إبراهيم كان مطلعا على ذلك، ولذا أضافوا قائلين: إلا امرأته قدرنا أنها لمن الغابرين.
و " قدرنا " إشارة إلى المهمة التي كلفوا بها من الله عز وجل.
هذا وقد بحثنا قصة نزول الملائكة على إبراهيم (عليه السلام) وتبشيره بإسحاق (عليه السلام) وحديثهم معه بشأن قوم لوط (عليه السلام) مفصلا في تفسيرنا للآيتين (69 و 70) من سورة هود من هذا التفسير.
* * *
(٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 ... » »»