الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ٨ - الصفحة ٣٠٨
وباستعمال صيغة القسم، وما يؤكد ذلك ما تبعها من عبارة تفسيرية تأكيدية وقد جعلتم الله عليكم كفيلا.
ونتيجة القول: أن جملة أوفوا بعهد الله خاصة، وجملة لا تنقضوا الأيمان عامة.
وحيث أن الوفاء بالعهد أهم الأسس في ثبات أي مجتمع كان، تواصل الآية التالية ذكره بأسلوب يتسم بنوع من اللوم والتوبيخ، فتقول: ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا (1).
والآية تشير إلى (رايطة) تلك المرأة التي عاشت في قريش زمن الجاهلية، وكانت هي وعاملاتها يعملن من الصباح حتى منتصف النهار في غزل ما عندهن من الصوف والشعر، وبعد أن ينتهين من عملهن تأمرهن بنقض ما غزلن، ولهذا عرفت بين قومها ب‍ (الحمقاء).
فما كانت تقوم به (رايطة) لا يمثل عملا بالا ثمر - فحسب - بل هو الحماقة بعينها، وكذا الحال بالنسبة لمن يبرم عهدا مع الله وباسمه، ثم يعمل على نقضه، فهو ليس بعابث فقط، وإنما هو دليل على انحطاطه وسقوط شخصيته.
ثم يضيف القرآن الكريم قائلا: تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة (2)، أي لا تنقضوا عهودكم مع الله بسبب أن تلك المجموعة أكبر من هذه فتقعوا في الخيانة الفساد.
وهذا دليل على ضعف شخصية الفرد، أو نفاقه وخيانته حينما يرى كثرة أتباع

1 - " أنكاث ": جمع (نكث) على وزن (قسط) بمعنى حل خيوطه الصوف والشعر بعد برمها، وتطلق أيضا على اللباس الذي يصنع من الصوف والشعر، وأما محل إعرابها في الآية فهو (حال) للتأكيد على قول البعض، فيما اعتبرها آخرون (مفعولا ثانيا) لفعل " نقضت " أي (جعلت غزلها أنكاثا).
2 - " الدخل ": (على وزن الدغل)، بمعنى الفساد والتقلب ومنها أخذ معنى (الداخل)، وينبغي الالتفات إلى أن جملة تتخذون أيمانكم - على ما قلناه من تفسير - جملة حالية، إلا أن بعض المفسرين اعتبرها جملة استفهامية، والتفسير الأول يوافق ظاهر الآية.
(٣٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 303 304 305 306 307 308 309 310 311 312 313 ... » »»