الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ٨ - الصفحة ٢٩٤
ولعل لهذا السبب عرض الفخر الرازي في تفسيره عند مواجهته لهذا الإشكال توجيها لا يخلو من إشكال أيضا حيث قال: (فحصل من هذا أن عصرا من الأعصار لا يخلو من شهيد على الناس، وذلك الشهيد لابد أن يكون غير جائز الخطاء وإلا لافتقر إلى شهيد آخر، ويمتد ذلك إلى غير النهاية، وذلك باطل، فيثبت أنه لابد في كل عصر من أقوام تقوم الحجة بقولهم، وذلك يقتضي أن يكون إجماع الأمة حجة) (1).
لو أن الفخر الرازي تجاوز قليلا حدود عقائده لم يكن ليسقط في هكذا تناقض وعناد فاحش. لأن القرآن يقول: يوم يبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وليس مجموع الأمة شاهدا على كل فرد من أفراد الأمة.
وكما ذكرنا عند تفسيرنا للآية (41) من سورة النساء أن هناك احتمالين آخرين في تفسير " هؤلاء ":
الأول: أن " هؤلاء " إشارة إلى شهداء الأمم السابقة من الأنبياء (عليهم السلام) والأوصياء، فيكون النبي شاهدا على هذه الأمة وشاهدا على الأنبياء السابقين أيضا.
الثاني: المقصود من الشاهد هنا هو الشاهد العملي، أي: شخص يكون وجوده قدوة وميزانا لتمييز الحق من الباطل.
(والمزيد من الإيضاح، راجع ذيل الآية (41) من سورة النساء).
وبما أن جعل الشاهد فرع لوجود برنامج كامل وجامع للناس بما تتم فيه الحجة عليهم، ويصح فيه مفهوم النظارة والمراقبة، لذا يقول القرآن بعد ذلك مباشرة: ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين.

1 - تفسير الفخر الرازي، ج 30، ص 98.
(٢٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 289 290 291 292 293 294 295 296 297 298 299 ... » »»