الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ٨ - الصفحة ١٦١
من دون الله، بعد أن فقد زمام استقلال المؤمن الحق.
أولئك الذين يعتقدون أن القوى العالمية الكبرى يمكن أن تكون ملجأ لهم في حياتهم، وإن كانت كافرة بالله وجهنمية فهم من الناحية العملية الواقعية عبدة للأصنام ومشركين بالله عز وجل، وينبغي محاججتهم ب‍:
هل خلقت لكم هذه المعبودات شيئا؟
هل هي مصدر النعمة؟
أهي مطلعة على شؤونكم الظاهرة والخفية؟
وهل تعلم متى ستبعثون؟
هل بيدها الثواب والعقاب؟
وإن كانت الإجابة بالنفي، فلم تعبدونها من دون الله؟!
وبعد هذه الاستدلالات الحية والواضحة على عدم صلاحية الأصنام يخلص القرآن إلى النتيجة المنطقية لما ذكر: إلهكم إله واحد.
وبما أن العلاقة بين المبدأ والمعاد مترابطة ربطا لا انفصام فيه، يضيف القرآن الكريم من غير فاصلة: فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون (1).
فأدلة التوحيد والمعاد قائمة لمن أراد الحق وطلب الحقيقة، إلا أن سبب عدم قبول الحق وإنكاره يرجع إلى حالة الاستكبار وعدم التسليم له، ويصبح ملكة في وجود المنكرين خصوصا بعد أن يصل بهم الحال إلى إنكار الحقائق الحسية المتوفرة لديهم، وعندها فلا ينفع معهم كلام حق أو دليل شاخص أو منطق سليم.
فالأدلة الحية التي ذكرتها الآيات السابقة بعدم صلاحية الأصنام للعبادة كافية لكل ذي لب رشيد، إلا أن هناك الكثير ممن لا يقبلها مع مالها من حقيقة

1 - إن حرف الفاء في كلمة " فالذين " للتفريع كما هو معلوم، فيكون المراد: إن إنكار القيامة فرع لإنكار المبدأ.
(١٦١)
مفاتيح البحث: القرآن الكريم (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 ... » »»