وأما الصلة بين المقسم عليه أعني قوله: لتبعثن والحلف بالنفس اللوامة فهي ظهور اللوم من هذه النفس يوم القيامة، فان نفس الكافر لا تلومه في الدنيا إلا قليلا، في حين يتجلى اللوم ويتجسد يوم القيامة أكثر فأكثر.
وأما كرامة النفس اللوامة فواضحة جدا، لأنها تردع الانسان عن اقتراف الذنوب، ولا يمكن خداعها، وهي يقظة تزجر الانسان دائما بالنسبة إلى ما عمله وقصده.
إن إبراهيم لما حطم الأصنام وجعلها جذاذا إلا كبيرا لهم لعل القوم يرجعون إليه ويرتدعون عن عقيدتهم بألوهيتها، فلما رجعوا ووقفوا على أنه عمل إبراهيم أحضروه للاقتصاص منه، وخاطبوه بقولهم: (أأنت فعلت هذا بآلهتنا)، فأجابهم إبراهيم: (بل فعله كبيرهم)، ثم أمرهم بسؤاله عن الجريمة التي ارتكبها، فبهت الجمع من هذا السؤال وظلوا صامتين لعجزهم عن الإجابة، فعندئذ تبين لهم أن مثل هذا الصنم أحط من أن يعبد، فاستيقظ وجدانهم وأخذت نفوسهم تلومهم على النهج الذي اختطوه، بل الآلهة التي عبدوها حيث وجدوا انها غير خليقة بالعبادة والخضوع، وهذا ما يحكي عنه القرآن بقوله: (فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون) أي خاطبوا أنفسهم بالظلم، فكأنه قال بعضهم لبعض أنتم الظالمون حيث تعبدون مالا يقدر عن الدفع عن نفسه وما نرى الامر إلا كما قال هذا الفتى.
هذه هي النفس اللوامة التي تظهر بين الحين والآخر وتزجر الانسان عن ارتكاب الذنوب.
وهذا الذي يسميه علم النفس في يومنا هذا بالوجدان الأخلاقي، ويصفون الوجدان محكمة لا تحتاج إلى قاض سوى النفس، وهي التي تقوم بتأسيس