ومن قبله والمؤتفكات، والمراد بالرسول جنسه، والرابية الزائدة من ربا يربو ربوة إذا زاد، والمراد بالأخذة الرابية العقوبة الشديدة وقيل: العقوبة الزائدة على سائر العقوبات وقيل: الخارقة للعادة.
قوله تعالى: " إنا لما طغا الماء حملناكم في الجارية " إشارة إلى طوفان نوح والجارية السفينة، وعد المخاطبين محمولين في سفينة نوح والمحمول في الحقيقة أسلافهم لكون الجميع نوعا واحدا ينسب حال البعض منه إلى الكل والباقي ظاهر.
قوله تعالى: " لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية " تعليل لحملهم في السفينة فضمير " لنجعلها " للحمل باعتبار أنه فعلة أي فعلنا بكم تلك الفعلة لنجعلها لكم أمرا تتذكرون به وعبرة تعتبرون بها وموعظة تتعظون بها.
وقوله: " وتعيها أذن واعية " الوعي جعل الشئ في الوعاء، والمراد بوعي الاذن لها تقريرها في النفس وحفظها فيها لترتب عليها فائدتها وهي التذكر والاتعاظ.
وفي الآية بجملتيها إشارة إلى الهداية الربوبية بكلا قسميها أعني الهداية بمعنى إراءة الطريق والهداية بمعنى الايصال إلى المطلوب.
توضيح ذلك أن من السنة الربوبية العامة الجارية في الكون هداية كل نوع من أنواع الخليقة إلى كماله اللائق به بحسب وجوده الخاص بتجهيزه بما يسوقه نحو غايته كما يدل عليه قوله تعالى: " الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى " طه: 50، وقوله: " الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى " الاعلى: 3، وقد تقدم توضيح ذلك في تفسير سورتي طه والأعلى وغيرهما.
والانسان يشارك سائر الأنواع المادية في أن له استكمالا تكوينيا وسلوكا وجوديا نحو كماله الوجودي بالهداية الربوبية التي تسوقه نحو غايته المطلوبة ويختص من بينها بالاستكمال التشريعي فإن للنفس الانسانية استكمالا من طريق أفعالها الاختيارية بما يلحقها من الأوصاف والنعوت وتتلبس به من الملكات والأحوال في الحياة الدنيا وهي غاية وجود الانسان التي تعيش بها عيشة سعيدة مؤبدة.
وهذا هو السبب الداعي إلى تشريع السنة الدينية بإرسال الرسل وإنزال الكتب والهداية إليها " لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل " النساء: 165، وقد تقدم تفصيله في أبحاث النبوة في الجزء الثاني من الكتاب وغيره، وهذه هداية بمعنى إراءة