تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٣٣٤
قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة " الخ، " قوا " أمر من الوقاية بمعنى حفظ الشئ مما يؤذيه ويضره، والوقود بفتح الواو اسم لما توقد به النار من حطب ونحوه. والمراد بالنار نار جهنم وكون الناس المعذبين فيها وقودا لها معناه اشتعال الناس فيها بأنفسهم كما في قوله تعالى: " ثم في النار يسجرون " المؤمن: 72. فيناسب تجسم الأعمال كما هو ظاهر الآية التالية " يا أيها الذين كفروا " الخ، وفسرت الحجارة بالأصنام.
وقوله: " عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون " أي وكل عليها لاجراء أنواع العذاب على أهلها ملائكة غلاظ شداد.
والغلاظ جمع غليظ ضد الرقيق والأنسب للمقام كون المراد بالغلظة خشونة العمل كما في قوله الآتي: " جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم " الآية 9 من السورة، والشداد جمع شديد بمعنى القوي في عزمه وفعله.
وقوله: " لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون " كالمفسر لقوله: " غلاظ شداد " أي هم ملتزمون بما أمرهم الله من أنواع العذاب لا يعصونه بالمخالفة والرد ويفعلون ما يؤمرون به على ما أمروا به من غير أن يفوت منهم فائت أو ينقص منه شئ لضعف فيهم أو فتور فهم غلاظ شداد.
وبهذا يظهر أن قوله: " لا يعصون الله ما أمرهم " ناظر إلى التزامهم بالتكليف، وقوله: " ويفعلون " الخ، ناظر إلى العمل على طبقة فلا تكرار كما قيل.
قال في التفسير الكبير في ذيل الآية: وفيه إشارة إلى أن الملائكة مكلفون في الآخرة بما أمرهم الله تعالى به وبما ينهاهم عنه، والعصيان منهم مخالفة للامر والنهي.
وفيه أن الآية وغيرها مما تصف الملائكة بمحض الطاعة من غير معصية مطلقة تشمل الدنيا والآخرة فلا وجه لتخصيص تكليفهم بالآخرة.
ثم إن تكليفهم غير سنخ التكليف المعهود في المجتمع الانساني بمعنى تعليق المكلف - بالكسر - إرادته بفعل المكلف - بالفتح - تعليقا اعتباريا يستتبع الثواب والعقاب في ظرف الاختيار وإمكان الطاعة والمعصية بل هم خلق من خلق الله لهم ذوات طاهرة نورية لا يريدون إلا ما أراد الله ولا يفعلون إلا ما يؤمرون، قال تعالى: " بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون " الأنبياء: 27، ولذلك لا جزاء لهم
(٣٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 329 330 331 332 333 334 335 336 337 338 339 ... » »»
الفهرست