استمدادا من عقولهم على ما يريده منهم من التقوى فإنهم لما سمعوا أن قوما عتوا عن أمر ربهم فحوسبوا حسابا شديدا وعذبوا عذابا نكرا وكان عاقبة أمرهم خسرا ثم سمعوا أن ذلك تكرر مرة بعد مرة وأباد قوما بعد قوم، قضت عقولهم بأن العتو والاستكبار عن أمر الله تعرض لشديد حساب الله ومنكر عذابه فتنبههم وتبعثهم إلى التقوى وقد أنزل الله إليهم ذكرا يذكرهم به ما لهم وما عليهم ويهديهم إلى الحق وإلى طريق مستقيم.
قوله تعالى: " رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات " الخ عطف بيان أو بدل من " ذكرا " فالمراد بالذكر الذي أنزله هو الرسول سمي به لأنه وسيلة التذكرة بالله وآياته وسبيل الدعوة إلى دين الحق، والمراد بالرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم على ما يؤيده ظاهر قوله:
" يتلو عليكم آيات الله مبينات " الخ.
وعلى هذا فالمراد بإنزال الرسول بعثه من عالم الغيب وإظهاره لهم رسولا من عنده بعد ما لم يكونوا يحتسبون كما في قوله: " وأنزلنا الحديد " الحديد: 25.
وقد دعى ظهور الانزال في كونه من السماء بعضهم كصاحب الكشاف إلى أن فسر " رسولا " بجبريل ويكون حينئذ معنى تلاوته الآيات عليهم تلاوته على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما أنه متبوع لقومه ووسيلة الابلاغ لهم لكن ظاهر قوله: " يتلو عليكم " الخ، خلاف ذلك.
ويحتمل أن يكون " رسولا " منصوبا بفعل محذوف والتقدير أرسل رسولا يتلو عليكم آيات الله، ويكون المراد بالذكر المنزل إليهم القرآن أو ما بين فيه من الاحكام والمعارف.
وقوله: " ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور " تقدم تفسيره في نظائره.
وقوله: " ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا " وعد جميل وتبشير.
وقوله: " قد أحسن الله له رزقا " وصف لاحسانه تعالى إليهم فيما رزقهم به من الرزق والمراد بالرزق ما رزقهم من الايمان والعمل الصالح في الدنيا والجنة في الآخرة، وقيل المراد به الجنة.
قوله تعالى: " الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الامر بينهن " الخ، بيان يتأكد به ما تقدم في الآيات من حديث ربوبيته تعالى وبعثه الرسول وإنزاله