وغير ذلك من آيات الحكمة، ويرون أن لهم الاستقلال في المشية يفعلون ما يشاؤن والقرآن يخطئهم بقوله: " وما تشاؤن إلا أن يشاء الله " الانسان: 30، ويرون أن لهم أن يطيعوا ويعصوا ويهدوا ويهتدوا والقرآن ينبئهم بقوله: " إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء " القصص: 56.
ويرون أن لهم قوة والقرآن ينكر ذلك بقوله: " أن القوة لله جميعا " البقرة: 165.
ويرون أن لهم عزة بمال وبنين وأنصار والقرآن يحكم بخلافه بقوله: " أيبتغون عندهم العزة إن العزة لله جميعا " النساء 139. وقوله: " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين " المنافقون: 8.
ويرون أن القتل في سبيل الله موت وانعدام والقرآن يعده حياة إذ يقول: " ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون " البقرة: 154، إلى غير ذلك من التعاليم القرآنية التي أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يدعو بها الناس قال: " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة " النحل: 125.
وهي علوم وآراء جمة صورت الحياة الدنيا خلافها في نفوس الناس وزينه فنبه تعالى لها في كتابه وأمر بتعليمها رسوله وندب المؤمنين أن يتواصوا بها كما قال: " إن الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق " العصر: 3، وقال: " يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب " البقرة: 269.
فالقرآن بالحقيقة يقلب الانسان في قالب من حيث العلم والعمل حديث ويصوغه صوغا جديدا فيحيى حياة لا يتعقبها موت أبدا، واليه الإشارة بقوله تعالى: " استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم " الأنفال: 24، وقوله: " أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها " الانعام: 122.
وقد بينا وجه الحكمة في كل من آياتها عند التعرض لتفسيرها على قدر مجال البحث في الكتاب.
ومما تقدم يتبين فساد قول من قال: إن تفسير القرآن تلاوته، وإن التعمق في مداليل آيات القرآن من التأويل الممنوع فما أبعده من قول.