تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٢٣٢
من خصاله - مستثنى منها بل إنما سيق لايجاب التأسي به في تبريه من قومه المشركين، والوعد بالاستغفار رجاء للتوبة والايمان ليس من التبري وإن كان ليس توليا أيضا.
وقوله: " ولا أملك لك من الله شيئا " تتمة قول إبراهيم عليه السلام، وهو بيان لحقيقة الامر من أن سؤاله المغفرة وطلبها من الله ليس من نوع الطلب الذي يملك فيه الطالب من المطلوب منه ما يطلبه، وإنما هو سؤال يدعو إليه فقر العبودية وذلتها قبال غنى الربوبية وعزتها فله تعالى أن يقبل بوجهه الكريم فيستجيب ويرحم، وله أن يعرض ويمسك الرحمة فإنه لا يملك أحد منه تعالى شيئا وهو المالك لكل شئ، قال تعالى: " قل فمن يملك من الله شيئا " المائدة: 17.
وبالجملة قوله: " لا أملك " الخ، نوع اعتراف بالعجز استدراكا لما يستشعر من قوله:
" لأستغفرن لك " من شائبة إثبات القدرة لنفسه نظير قول شعيب عليه السلام: " وما توفيقي إلا بالله " استدراكا لما يشعر به قوله لقومه: " إن أريد إلا الاصلاح ما استطعت " هود:
88، من إثبات القوة والاستطاعة لنفسه بالأصالة والاستقلال.
وقوله: " ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير " الخ، من تمام القول المنقول عن إبراهيم والذين معه المندوب إلى التأسي بهم فيه، وهو دعاء منهم لربهم وابتهال إليه إثر ما تبرؤا من قومهم ذاك التبري العنيف ليحفظهم من تبعاته ويغفر لهم فلا يخيبهم في إيمانهم.
وقد افتتحوا دعاءهم بتقدمة يذكرون فيها حالهم فيما هم فيه من التبري من أعداء الله فقالوا: " ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا " يعنون به أنا كنا في موقف من الحياة تتمكن فيه أنفسنا وندبر فيه أمورنا أما أنفسنا فأنبنا ورجعنا بها إليك وهو الإنابة، وأما أمورنا التي كان علينا تدبيرها فتركناها لك وجعلنا مشيتك مكان مشيتنا فأنت وكيلنا فيها تدبرها بما تشاء وكيف تشاء وهو التوكل.
ثم قالوا: " وإليك المصير " يعنون به أن مصير كل شئ من فعل أو فاعل فعل إليك فقد جرينا في توكلنا عليك وإنابتنا إليك مجرى ما عليه حقيقة الامر من مصير كل شئ إليك حيث هاجرنا بأنفسنا إليك وتركنا تدبير أمورنا لك.
وقوله: " ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا " متن دعائهم يسألونه تعالى أن يعيذهم من تبعة تبريهم من الكفار ويغفر لهم.
(٢٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 ... » »»
الفهرست