ويتاماهم ومساكينهم وابن السبيل منهم ثم أشار إلى مصداق الصرف في السبيل أو بعض مصاديقه وهم الفقراء المهاجرون الخ، ينفق منه الرسول لهم على ما يرى.
وعلى هذا ينبغي أن يحمل ما ورد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قسم فئ بني النضير بين المهاجرين ولم يعط الأنصار شيئا إلا ثلاثة من فقرائهم: أبا دجانة سماك بن خرشة وسهل بن حنيف والحارث بن الصمة فقد صرف فيهم بما أنه صرف في سبيل الله لا بما أنهم سهماء في الفئ.
وكيف كان فقوله: " للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم " المراد بهم من هاجر من المسلمين من مكة إلى المدينة قبل الفتح وهم الذين أخرجهم كفار مكة بالاضطرار إلى الخروج فتركوا ديارهم وأموالهم وهاجروا إلى مدينة الرسول.
وقوله: " يبتغون فضلا من الله ورضوانا " الفضل الرزق أي يطلبون من الله رزقا في الدنيا ورضوانا في الآخرة.
وقوله: " وينصرون الله ورسوله " أي ينصرونه ورسوله بأموالهم وأنفسهم، وقوله:
" أولئك هم الصادقون " تصديق لصدقهم في أمرهم وهم على هذه الصفات.
قوله تعالى: " والذين تبوؤا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم " الخ، قيل: إنه استئناف مسوق لمدح الأنصار لتطيب بذلك قلوبهم إذ لم يشركوا في الفئ، " والذين تبوؤا " - والمراد بهم الأنصار - مبتدأ خبره " يحبون " الخ، والمراد بتبوي الدار وهو تعميرها بناء مجتمع ديني يأوي إليه المؤمنون على طريق الكناية، والايمان معطوف على " الدار " وتبوي الايمان وتعميره رفع نواقصه من حيث العمل بحيث يستطاع العمل بما يدعو إليه من الطاعات والقربات من غير حجر ومنع كما كان بمكة.
واحتمل أن يعطف " الايمان " على تبوؤا وقد حذف الفعل العامل فيه، والتقدير:
وآثروا الايمان.
وقيل: إن قوله: " والذين تبوؤا " الخ، معطوف على قوله: " المهاجرين " وعلى هذا يشارك الأنصار المهاجرين في الفيئ، والاشكال عليه بأن المروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قسمه بين المهاجرين ولم يعط الأنصار منه شيئا إلا ثلاثة من فقرائهم مدفوع بأن الرواية من شواهد العطف دون الاستئناف إذ لو لم يجز إعطاؤه للأنصار لم يجز لا - للثلاثة ولا للواحد فإعطاء بعضهم منه دليل على مشاركتهم لهم غير أن الامر لما كان راجعا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان له أن يصرفه كيف يشاء فرجع أن يقسمه بينهم على تلك الوتيرة.