سائر من حضر عند النزول عن ذلك حتى يستقر في شكه ويزيد ثباتا في نفاقه.
وبالجملة السؤال سؤال من لا يخلو قلبه من نفاق.
وقد فصل الله سبحانه أمر القلوب وفرق بين قلوب المؤمنين والذين في قلوبهم مرض فقال: (فأما الذين آمنوا) وهم الذين قلوبهم خالية عن النفاق بريئة من المرض وهم على يقين من دينهم بقرينة المقابلة (فزادتهم) السورة النازلة (إيمانا) فإنها بإنارتها أرض القلب بنور هدايتها توجب اشتداد نور الايمان فيه، وهذه زيادة في الكيف، وباشتمالها على معارف وحقائق جديدة من المعارف القرآنية والحقائق الإلهية، وبسطها على القلب نور الايمان بها توجب زيادة إيمان جديد على سابق الايمان وهذه زيادة في الكمية ونسبة زيادة الايمان إلى السورة من قبيل النسبة إلى الأسباب الظاهرة وكيف كان فالسورة تزيد المؤمنين إيمانا فتنشرح بذلك صدورهم وتتهلل وجوههم فرحا (وهم يستبشرون).
(وأما الذين في قلوبهم مرض وهم أهل الشك والنفاق (فزادتهم رجسا إلى رجسهم) أي ضلالا جديدا إلى ضلالهم القديم وقد سمى الله سبحانه الضلال رجسا في قوله: (ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون) الانعام: 125 والمقابلة الواقعة بين (الذين آمنوا) و (الذين في قلوبهم) مرض يفيد ان هؤلاء ليس في قلوبهم إيمان صحيح وإنما هو الشك أو الجحد وكيف كان فهو الكفر ولذلك قال (وماتوا وهم كافرون).
والآية تدل على أن السورة من القرآن لا تخلو عن تأثير في قلب من استمعه فإن كان قلبا سليما زادته إيمانا واستبشارا وسرورا، وإن كان قلبا مريضا زادته رجسا وضلالا نظير ما يفيده قوله: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا) اسرى: 82.
قوله تعالى: (أو لا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين) الآية الاستفهام للتقرير أي ما لهم لا يتفكرون ولا يعتبرون وهم يرون أنهم يبتلون ويمتحنون كل عام مرة أو مرتين فيعصون الله ولا يخرجون من عهدة المحنة الإلهية وهم لا يتوبون ولا يتذكرون ولو تفكروا في ذلك انتبهوا لواجب أمرهم وأيقنوا ان الاستمرار على هذا الشأن ينتهى بهم إلى تراكم الرجس على الرجس والهلاك الدائم والخسران المؤبد.