صدقوا الآية بقوله لم أذنت لهم فالتعلق انما هو بالمستفهم عنه دون الاستفهام والا أفاد خلاف المقصود والكلام مسوق لبيان ظهور كذبهم وان أدنى الامتحان كالكف عن اذنهم في القعود يكشف عن فصاحتهم.
ومعنى الآية عفا الله عنك لم أذنت لهم في التخلف والقعود ولو شئت لم تأذن لهم وكانوا أحق به حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين فيتميز عندك كذبهم ونفاقهم.
والآية كما ترى وتقدمت الإشارة إليه في مقام دعوى ظهور كذبهم ونفاقهم وانهم مفتضحون بأدنى امتحان يمتحنون به ومن مناسبات هذا المقام القاء العتاب إلى المخاطب وتوبيخه والانكار عليه كأنه هو الذي ستر عليهم فضائح أعمالهم وسوء سريرتهم وهو نوع من العناية الكلامية يتبين به ظهور الامر ووضوحه لا يراد أزيد من ذلك فهو من اقسام البيان على طريق إياك أعني واسمعي يا جاره.
فالمراد بالكلام اظهار هذه الدعوى لا الكشف عن تقصير النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسوء تدبيره في احياء أمر الله وارتكابه بذلك ذنبا حاشاه وأولوية عدم الإذن لهم معناها كون عدم الإذن انسب لظهور فضيحتهم وانهم أحق بذلك لما بهم من سوء السريرة وفساد النية لا لأنه كان أولى واحرى في نفسه وأقرب وأمس بمصلحة الدين.
والدليل على هذا الذي ذكرنا قوله تعالى بعد ثلاث آيات لو خرجوا فيكم ما زادوكم الا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم إلى آخر الآيتين فقد كان الأصلح ان يؤذن لهم في التخلف ليصان الجمع من الخبال وفساد الرأي وتفرق الكلمة والمتعين ان يقعدوا فلا يفتنوا المؤمنين بالقاء الخلاف بينهم والتفتين فيهم وفيهم ضعفاء الايمان ومرضى القلوب وهم سماعون لهم يسرعون إلى المطاوعة لهم ولو لم يؤذن لهم فاظهروا الخلاف كانت الفتنة أشد والتفرق في كلمه الجماعة أوضح وأبين.
ويؤكد ذلك قوله تعالى بعد آيتين ولو أرادوا الخروج لاعدوا له عده ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين فقد كان تخلفهم ونفاقهم ظاهرا لائحا من عدم اعدادهم العدة يتوسمه في وجوههم كل ذي لب ولا يخفى مثل ذلك على مثل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد نباه الله باخبارهم قبل نزول هذه السورة كرارا فكيف