لننظرن ثلاثة أيام فإن كان ما رأت حقا وإلا لنكتبن كتابا بيننا: انه ما من أهل بيت من العرب أكذب رجالا ونساء من بني هاشم.
فلما كان اليوم الثالث أتاهم ضمضم يناديهم بأعلى الصوت: يا آل غالب يا آل غالب. اللطيمة اللطيمة. العير العير. ادركوا وما أراكم تدركون إن محمدا والصباة من أهل يثرب قد خرجوا يتعرضون لعيركم فتهيأوا للخروج، وما بقي أحد من عظماء قريش إلا أخرج مالا لتجهيز الجيش، وقالوا من لم يخرج نهدم داره، وخرج معهم العباس بن عبد المطلب، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وعقيل بن أبي طالب، وأخرجوا معهم القيان يضربن الدفوف.
وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا فلما كان بقرب بدر اخذ عينا للقوم فأخبره بهم، وفي حديث أبى حمزة بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيضا عينا له على العير اسمه عدى فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره أين فارق العير نزل جبرائيل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره بنفير المشركين من مكة فاستشار أصحابه في طلب العير وحرب النفير فقام أبو بكر فقال: يا رسول الله انها قريش وخيلاؤها ما آمنت منذ كفرت، ولا ذلت منذ عزت، ولم نخرج على هيئه الحرب، وفي حديث أبي حمزة: أنا عالم بهذا الطريق فارق عدي العير بكذا وكذا، وساروا وسرنا فنحن والقوم على ماء بدر يوم كذا وكذا كأنا فرسا رهان فقال صلى الله عليه وآله وسلم:
اجلس فجلس. ثم قام عمر بن الخطاب فقال مثل ذلك فقال صلى الله عليه وآله وسلم: اجلس فجلس.
ثم قام المقداد فقال: يا رسول الله انها قريش وخيلاؤها، وقد آمنا بك وصدقنا وشهدنا ان ما جئت به حق، والله لو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا وشوك الهراس لخضناه، معك والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ولكنا نقول: إمض لأمر ربك فإنا معك مقاتلون، فجزاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيرا على قوله ذاك.
ثم قال: أشيروا علي أيها الناس وإنما يريد الأنصار لان أكثر الناس منهم، ولأنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا: إنا برآء من ذمتك حتى تصل إلى دارنا ثم أنت في ذمتنا نمنعك مما نمنع أبناءنا ونساءنا، فكان صلى الله عليه وآله وسلم يتخوف ان لا يكون الأنصار ترى عليها نصرته إلا على من دهمه بالمدينة من عدو، وأن ليس عليهم ان ينصروه خارج المدينة.