قوله تعالى (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم) قال فيه (هو بدل من قوله لذي القربى وما بعده والذي منع الإبدال من الله وللرسول الخ) قال أحمد: مذهب أبي حنيفة أن استحقاق ذوي القربى لسهمهم من الفئ موقوف على الفقراء حتى لا يستحقه أغنياؤهم، وقد أغلظ الشافعي رضي الله عنه فيما نقله عنه إمام الحرمين الرد على هذا المذهب بأن الله تعالى علق الاستحقاق بالقرابة ولم يشرط الحاجة وعدم اعتبار القرابة مضادة ومحادة، واعتذر إمام الحرمين لأبى حنيفة بأن الصدقات لما حرمت عليهم كان فائدة ذكرهم في خمس الفئ والغنيمة أنه لا يمنع صرف ذلك إليهم امتناع صرف الصدقات، ثم أتبع هذا العذر بأن قال: لا ينبغي أن يعبر به، فإن صيغة الآية ناصة على تعين الاستحقاق لهم تشريفا لهم وتنبيها على عظم أقدارهم، فمن حمل ذلك على جواز الصرف إليهم مع معارضة هذا الجواز بجواز حرمانهم فقد عطل فحوى الآية، ثم استعظم الإمام وقع ذلك عليهم لأنهم يذهبون إلى اشتراط الإيمان في رقبة الظهار زيادة على النص فيأتون في إثبات ذلك بالقياس لأنه يستنتج وليس من شأنه الثبوت بالقياس، قال: فكذلك يلزمهم أن يعتقدوا أن اشتراط الفقر في القرابة واشتراط الحاجة لقرب ما ذكروه بغرض القرب، فأما وأن أصلهم المخصوصون من نسب الرسول عليه الصلاة والسلام والنابتون من شجرته كالعجمة فلا يبقى مع هذا لمذهبهم وجه انتهى كلام الإمام. وإنما أوردته ليعلم أنه معارضته لأبى حنيفة على أن اشتراط الحاجة عند أبي حنيفة مستند إلى قياس أو نحوه من الأسباب الخارجة عن الآية، فلذلك ألزمه أن يكون زيادة على النص، فأما وقد تلقى أبو حنيفة اعتبار الحاجة من تقييد هذا البدل المذكور في الآية فإنما يسلك معه في واد غير هذا فيقول هو بدل من المساكين لا غيره، وتقريره أنه سبحانه أراد أن يصف المساكين بصفات تؤكد استحقاقهم ويحمل الأغنياء على إيثارهم وأن لا يجدوا في صدورهم حاجة مما أوتوا، فلما قصد ذلك وقد فصل بين ذكرهم وبين ما يقصد من ذكر صفاتهم بقوله - كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم - إلى قوله - شديد العقاب - طري ذكرهم ليكون توطئة للصفات المتتالية بعده، فذكر بصفة أخرى مناسبة للصفة الأولى مبدلة منها وهى الفقر لتشهد
(٨٣)