الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٤ - الصفحة ٢٠١
قوله تعالى (وما تشاءون إلا أن يشاء الله) قال فيه (معناه: وما تشاءون الطاعة إلا أن يشاء الله الخ) قال أحمد: وهذا من تحريفاته للنصوص وتسوره على خزائن الكتاب العزيز كدأب الشطار واللصوص، فلنقطع يد حجته التي أعدها وذلك حكم هذه السرقة وحدها، فنقول: الله تعالى نفى وأثبت على سبيل الحصر الذي لاحصر ولا نصر أوضح منه، ألا ترى أن كلمة التوحيد اقتصر بها على النفي والاثبات لان هذا النظم أعلق شئ بالحصر وأدله عليه، فنفى الله تعالى أن يفعل العبد شيئا له فيه اختيار ومشيئة إلا أن يكون الله تعالى قد شاء ذلك الفعل، فمقتضاه ما لم يشأ الله وقوعه من العبد لا يقع من العبد، وما شاء منه وقوعه وقع، وهو رديف " ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن " وانظر إدخاله القسر في تعطيل الآية لا تأويلها كيف ناقض به؟ فإن معنى الآية عنده أن مشيئة العبد الفعل لا تكون إلا إذا قسره الله عليها، والقسر مناف للمشيئة، فصار الحاصل أن مشيئة العبد لا توجد إلا إذا انتفت، فإذا لا مشيئة للعبد البتة ولا اختيار، وما هو إلا فر من إثبات قدرة للعبد غير مؤثرة ومشيئة غير خالقة ليتم له إثبات قدرة ومشيئة مؤثرين، فوقع في سلب القدرة والمشيئة أصلا ورأسا، وحيث لزم الحيد عن الاعتزال انحراف بالكلبة إلى الطرف الأقصى متحيزا إلى الجبر، فيا بعد ما توجه بسوء نظره، والله الموفق.
(٢٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 192 194 195 196 199 201 202 203 206 207 211 ... » »»