الإنصاف فيما تضمنه الكشاف - ابن المنير الإسكندري - ج ٢ - الصفحة ٤٥١
قوله تعالى (تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا) قال (المراد تسبيحها بلسان الحال من حيث تدل على الصانع إلخ) قال أحمد:
ولقائل أن يقول: فما يصنع بقوله كان حليما غفورا وهو لا يغفر للمشركين ولا يتجاوز عن جهلهم وكفرهم وإشراكهم، وإنما يخاطب بهاتين الصفتين المؤمنون والظاهر أن المخاطب المؤمنون. وأما عدم فقهنا للتسبيح الصادر من الجمادات فكأنه والله أعلم من عدم العمل بمقتضى ذلك، فإن الإنسان لو تيقظ حق التيقظ إلى أن النملة والبعوضة وكل ذرة من ذرات الكون تسبيح الله وتنزهه وتشهد بجلاله وكبريائه وقهره وعمر خاطره بهذا الفهم لكاد ذلك يشغله عن القوت فضلا عن فضول الكلام والأفعال، والعاكف على الغيبة التي هي فاكهتنا في زماننا هذا لو استشعر حال إفاضته فيها أن كل ذرة وجوهر من ذرات لسانه الذي يلقلقه في سخط الله تعالى عليه مشغولة مملوءة بتقديس الله تعالى وتسبيحه وتخويف عقابه وإرهاب جبروته وتيقظ لذلك حق التيقظ لكاد أن لا يتكلم بقية عمره، فالظاهر والله أعلم أن الآية إنما وردت خطابا على الغالب في أحوال الغافلين وإن كانوا مؤمنين، والله الموفق.
فالحمد لله الذي كان حليما غفورا. عاد كلامه، قال (إن قلت: من فيهن يسبحون حقيقة وهم الملائكة إلخ) قال
(٤٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 442 443 448 449 450 451 452 455 457 458 459 ... » »»