قوله تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) قال فيه: معناه (وما صح منا صحة تدعو إليها الحكمة أن نعذب قوما حتى نلزمهم الحجة ببعث الرسول إلخ) قال أحمد: وهذا السؤال أيضا إنما يتوجه على قدري يزعم أن العقل يرشد إلى وجوب النظر وإلى كثير من أحكام الله تعالى، وإن لم يبعث رسول فيكلف بعقله ويرتب على ترك امتثال التكليف استيجاب العذاب، إذ العقل كاف عندهم في إيجاب المعرفة بل في جميع الأحكام بناء على قاعدة التحسين والتقبيح العقليين. وأما السني فلا يتوجه عليه هذا السؤال، فإن العقل عنده شرط في وجوب عموم الأحكام، ولا تكليف عنده قبل ورود الشرائع وبعث الأنبياء، وحينئذ يثبت الحكم وتقوم الحجة كما أنبأت عنه هذه الآية التي يروم الزمخشري تحريفها فتعتاص عليه وتسد طرق الحيل بين يديه لأنه الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، نعم العقل عمدة في حصول المعرفة لا في وجوبها وبين الحصول والوجوب بون بعيد، والله الموفق.
(٤٤١)