تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٣ - الصفحة ٤٣٥
(ففروا إلى الله) أي: طاعة الله وثوابه من معصيته وعقابه بتوحيده وإخلاص العبادة له. وكرر قوله: (إنى لكم منه نذير مبين) عند الأمر بالطاعة والنهي عن الشرك، ليعلم أن العلم والعمل مقترنان، وبالجمع بينهما يفوز الإنسان.
(كذلك) أي: الأمر مثل ذلك، و " ذلك " إشارة إلى تكذيبهم الرسول وقولهم:
هو (ساحر أو مجنون)، وقوله: (مآ أتى) تفسير لما أجمل.
(أتواصوا به) الضمير للقول، والمعنى: أتواصى الأولون والآخرون بهذا القول حتى قالوه جميعا متفقين عليه (بل هم قوم طاغون) أي: لم يتواصوا به لأنهم لم يتلاقوا في زمان واحد (بل) جمعتهم العلة الواحدة وهي الطغيان حملهم عليه.
(فتول عنهم) فأعرض عمن دعوتهم فلم يجيبوا، فلا لوم في إعراضك عنهم بعدما بلغت الرسالة وبذلت وسعك في الدعوة والإبلاغ. (وذكر) ولا تدع التذكير والموعظة (فإن الذكرى تنفع المؤمنين) الذين يعرفون الله ويوحدونه. وعن علي (عليه السلام) أنه لما نزل: (فتول عنهم) اشتد ذلك علينا، فلما نزل: (وذكر) طابت نفوسنا (1).
المعنى (وما خلقت الجن والإنس إلا) لأجل العبادة، ولم أرد من جميعهم إلا إياها، والغرض في خلقهم تعريضهم للثواب، وذلك لا يحصل إلا بأداء العبادات. (مآ أريد منهم من رزق ومآ أريد أن يطعمون) أي: لا أستعين بهم في تحصيل أرزاقهم ومعايشهم بل أتفضل عليهم برزقهم وبما يصلحهم، وما أريد أن يطعموا أحدا من خلقي، وإنما أسند إلى نفسه لأن الخلق كلهم عياله، ومن أطعم

(1) أخرجه السيوطي في الدر المنثور: ج 7 ص 624 وعزاه إلى ابن راهويه وأحمد بن منيع والهيثم بن كليب وابن جرير وغيرهم.
(٤٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 430 431 432 433 434 435 436 437 438 439 440 ... » »»