ثم رجع سبحانه إلى ذكر من ذكرهم في أول السورة من كفار قريش، فقال:
(إن هؤلاء ليقولون إن هى) أي: ما الموتة (إلا موتتنا الأولى) نموتها في الدنيا ثم لا بعث بعدها (وما نحن بمنشرين) بمبعوثين ولا معادين. (فأتوا بآبائنا) الذين ماتوا قبلنا وأعيدوهم (إن كنتم صدقين) في أن الله يعيد الأموات، وقائله أبو جهل قال: إن كنت صادقا فابعث جدك قصي بن كلاب!! وهذا جهل من أبي جهل؛ لأن النشأة الثانية إنما وجبت للجزاء لا للتكليف، وليست هذه الدار بدار جزاء بل دار تكليف، فكأنه قال: إن كنت صادقا في إعادتهم للجزاء فأعدهم للتكليف!! فلذلك عدل عن مقابلته إلى الوعيد والوعظ بما هو أعود عليه فقيل:
(أهم خير أم قوم تبع) أي: أهم أكثر عددا وعدة ونعمة وقوة؟! كقوله: ﴿أكفاركم خير من أولئكم﴾ (1) بعد ذكر آل فرعون، وهو تبع الحميري، كان مؤمنا وقومه كافرين، وهو الذي سار بالجيوش حتى حير الحيرة، ثم أتى سمرقند فهدمها ثم بناها، وكان إذا كتب كتب: " باسم الله الذي ملك برا وبحرا وضحا وريحا " ذم الله قومه ولم يذمه.
وعن الصادق (عليه السلام): أن تبع قال للأوس والخزرج: كونوا هاهنا حتى يخرج هذا النبي، أما أنا فلو أدركته لخدمته وخرجت معه (2).
(وما بينهما) يريد: وما بين الجنسين. (إن يوم الفصل) ميقات حسابهم وجزائهم (أجمعين). (يوم لا يغنى مولى) أي مولى كان من قرابة وغيرها (عن) أي (مولى) كان شيئا من إغناء (ولا هم ينصرون) الضمير للموالي؛ لأنهم في المعنى كثير لتناول اللفظ على الإبهام والشياع كل مولى. (من رحم الله)