تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٣ - الصفحة ٣٢١
مصدر (يفرق) من حيث أن الأمر والفرقان واحد، لأن من حكم بالشيء وكتبه فقد أمر به وأوجبه، أو: جعل حالا من أحد الضميرين في (أنزلنه) أي: أنزلناه في حال كونه أمرا بما يجب أن يفعل، أو: أنزلناه آمرين (إنا كنا مرسلين) يجوز أن يكون بدلا من: (إنا كنا منذرين)، و (رحمة من ربك) مفعول له والمعنى: إنا أنزلنا القرآن لأن من شأننا إرسال الرسل بالكتب إلى عبادنا لأجل الرحمة عليهم، وأن يكون تعليلا ل‍ (يفرق)، أو: لقوله: (أمرا من عندنا) و (رحمة) مفعولا به، أي: يفرق في هذه الليلة كل أمر، أو: تصدر الأوامر من عندنا، لأن من عادتنا أن نرسل رحمتنا، وفصل كل أمر من قسمة الأرزاق وغيرها من باب الرحمة، وكذلك الأوامر الصادرة من جهته عز وجل؛ لأن الغرض من تكليف العباد تعريضهم للمنافع، والأصل: إنا كنا مرسلين رحمة منا، فوضع الظاهر موضع المضمر إيذانا بأن الربوبية تقتضي الرحمة على المربوبين (إنه هو السمع العليم) وما بعده تحقيق لربوبيته وأنها لا تحق إلا لمن هذه أوصافه.
وقرئ: " رب السموات " و " ربكم ورب آبائكم " بالجر (1) بدلا من (ربك)، (إن كنتم موقنين) أي: إن كان إقراركم بأن للسماوات والأرض ربا وخالقا عن معرفة وإيقان. ثم رد كونهم موقنين بقوله: (بل هم في شك يلعبون) أي: إقرارهم لا يصدر عن علم وحقيقة بل هو قول مخلوط بلعب وهزء.
(فارتقب يوم تأتى السمآء بدخان مبين (10) يغشى الناس هذا عذاب أليم (11) ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون (12) أنى لهم الذكرى وقد جآءهم رسول مبين (13) ثم تولوا عنه وقالوا معلم

(١) وهي قراءة ابن أبي إسحاق وابن محيصن والكسائي في رواية الحجازي. راجع شواذ القرآن لابن خالويه: ص 138.
(٣٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 316 317 318 319 320 321 322 323 324 325 326 ... » »»