تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٢ - الصفحة ٧٧٦
* (فإياي فاعبدون) * هو في المتكلم مثل: " إياه ضربته " في الغائب، و " إياك ضربتك " في المخاطب، والتقدير: فإياي فاعبدوني. والفاء جواب شرط محذوف، لأن المعنى: إن أرضي واسعة فإن لم تخلصوا العبادة لي في أرض فأخلصوها لي في غيرها، ثم حذف الشرط وعوض من حذفه تقديم المفعول مع إفادة تقديمه معنى الاختصاص والإخلاص.
ولما أمر عباده بالحرص على العبادة والإخلاص فيها حتى يطلبوا لها أوفق البلاد عقبه بقوله: * (كل نفس ذائقة الموت) * أي: واجد مرارته بأي أرض كان.
* (لنبوئنهم) * لننزلنهم * (من الجنة غرفا) * أي: علالي عاليات، وقرئ:
" لنثوينهم " (1) من الثواء، يقال: ثوى في المنزل وأثوى غيره، والوجه في تعديته إلى الغرف أن يكون الأصل " لنثوينهم في غرف " وحذف الجار، أو أجري مجرى " لننزلنهم "، أو شبه الظرف المؤقت بالمبهم. * (الذين صبروا) * على مفارقة الأوطان لأجل الدين، وعلى المحن والشدائد، وعلى الطاعات، وعن المعاصي، ولم يتوكلوا إلا على ربهم.
ولما أمروا بالهجرة من مكة خافوا الفقر والضيعة وقالوا: كيف نخرج إلى بلدة ليس لنا فيها معيشة؟ فقيل: * (وكأين من دابة) * والدابة: كل نفس دبت على وجه الأرض، عقلت أو لم تعقل * (لا تحمل رزقها) * لا تستطيع أن تحمله لضعفها * (الله يرزقها وإياكم) * أي: لا يرزق تلك الدواب إلا الله، ولا يرزقكم أيضا إلا هو، وإن كنتم تطيقون حمل أرزاقكم وكسبها فلا تتركوا الهجرة بسبب الاهتمام للرزق * (وهو السميع) * لقولكم: نخشى الفقر * (العليم) * بضمائركم.
* (ولئن) * سألت هؤلاء المشركين من أهل مكة * (من خلق السماوات

(1) قرأه حمزة والكسائي. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 603.
(٧٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 769 770 771 772 773 774 775 776 777 778 779 » »»