تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٢ - الصفحة ٢٥٩
باب (23) سلم عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار (24)) * دخلت همزة الإنكار على الفاء لإنكار أن تقع شبهة بعد ما ضرب من المثل في أن حال من علم * (أنما أنزل إليك من ربك الحق) * فاستجاب، بخلاف حال الجاهل الذي لم يستبصر فيستجيب، وبينهما من البون ما بين الزبد والماء والخبث والإبريز (1) * (إنما يتذكر أولوا الألباب) * الذين يعملون على قضايا عقولهم فيتفكرون ويستبصرون.
* (الذين يوفون) * مبتدأ وخبره * (أولئك لهم عقبى الدار) *، ويجوز أن يكون صفة ل‍ * (أولوا الألباب) * والأول أوجه * (ما أمر الله به أن يوصل) * من الأرحام والقرابات، ويدخل فيه وصل قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقرابة المؤمنين (2) الثابتة بسبب الإيمان، بالإحسان إليهم بحسب الطاقة (3) والذب عنهم ونصرتهم والنصيحة لهم وعيادة مرضاهم وحضور جنائزهم، ومنه مراعاة حق الخدم والجيران والرفقاء في السفر * (ويخشون ربهم) * أي: يخافون وعيده كله * (ويخافون) * خصوصا * (سوء الحساب) * فيحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا.
* (والذين صبروا) * على القيام بأوامر الله ومشاق التكليف، وعلى المصائب في النفوس والأموال، وعن معاصي الله * (ابتغاء وجه ربهم) * لا لغرض من الأغراض الدنيوية، أو ليقال: ما أصبره وأوقره ولئلا يشمت به الأعداء، كقوله:
وتجلدي للشامتين أريهم * أني لريب الدهر لا أتضعضع (4)

(1) الإبريز: الخالص. (الصحاح: مادة برز).
(2) في نسخة: قرابة أمير المؤمنين (عليه السلام).
(3) في بعض النسخ: الطاعة.
(4) البيت لأبي ذؤيب خويلد بن خالد المخزومي يرثي بنيه، وقبله:
وإذا المنية أنشبت أظفارها * ألفيت كل تميمة لا تنفع يقول: إن هذا التجلد الذي أريه به من نفسي إنما هو لدفع شماتة الشامتين فأريهم بأني لا أتخضع ولا أخشع لأجل حدثان الزمان الطارئ من حيث لا أشعر. ويذكر أن معاوية مرض واتفق أن جاء وفد العراق وفيهم الإمام الحسن الزكي (عليه السلام)، فصاح معاوية: كحلوني وزينوني وألبسوني العمامة، وحاول أن يظهر القوة فأنشد له البيت الثاني، فأجابه (عليه السلام) بغتة بالأول. انظر كتاب العين: مادة (ضع)، ولسان العرب: مادة (ضعع).
(٢٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 ... » »»